ما دامت الأبواب كلها موصدة أمام تسويةٍ سياسية يتعافى بها العراق، ويشيع في النفوس الملتاعة شيئاً من الطمأنينة، فلنعمل معاً من أجل وقف التدهور المستمر في الاوضاع، وتجميدها عند ماهي عليه من تفككٍ وتنازع وتربص، لنعمل على "فك الاشتباك" كحدٍ أدنى دونه "خرا
ما دامت الأبواب كلها موصدة أمام تسويةٍ سياسية يتعافى بها العراق، ويشيع في النفوس الملتاعة شيئاً من الطمأنينة، فلنعمل معاً من أجل وقف التدهور المستمر في الاوضاع، وتجميدها عند ماهي عليه من تفككٍ وتنازع وتربص، لنعمل على "فك الاشتباك" كحدٍ أدنى دونه "خراب البصرة"، اذا بقي فيها ما يصلح للخراب.
ولا نريد ان نتماثل مع الدول القائمة في اسفل سلم التطور الديمقراطي، وهي تستعد لخوض انتخاباتٍ تشريعية، يُفترض فيها ان تكون حاسمة، فتعيد الامور الى نصابها الشرعي "الدستوري"، او تقرّبها منه مقدار ما يكفي لـ"تدارك" وضع البلاد والعملية السياسية امام مخاطر محدقة، أو حرفها عن خط الازمات المستديمة.
إن المطالبة بإشاعة بيئة إيجابية تشجع أوسع الاوساط الشعبية، بغض النظر عن الاختلافات والانحيازات التي تميز مكوناتها، صار من باب تمنيات محضة، لا تستند الى قراءة عميقة، ولا تعبر عن نبض الحراك السياسي. لكن تأمين اقل من ذلك يظل ميسوراً، ونافعاً لكل الاطراف المتنافسة على وصاية الدولة الممعنة في الفشل، لعلها توقظنا من حسرتنا بعد طول انتظار، فتُرينا أن فشلها ليس سوى "كبوة" فتتشافى منها وتُشفينا.
التوازن في الساحة السياسية، يكاد يكون مختلاً الى حد كبير لصالح فريق السلطة، ويبدو ان دولة القانون وقيادتها، كما اعتادت طوال إمساكها بخيوط السلطة ومقدرات العراق، دائمة القلق رغم ذلك حيال مستقبلها السياسي، وبدلاً من أن تتحرك في اتجاه يخفف الاحتقان والتوتر، ويُبرّد سخونة خطوط التماس بين الكتل الانتخابية، تزيدها اشتعالاً، دون أن تتنبه إلى أن جمرها ولهيبها لن يوفر طرفاً، اذا لم "تَعقل" هي قبل غيرها من الشركاء والغرماء، فتتضافر جهودها ولو في الوقت الضائع لتُطفئ النيران.
لقد انتقل "مشعل" الحرائق الى خانة المفوضية العليا للانتخابات، وراحت تتطوع بإثارة المزيد من القلق حول ما تتخذه من اجراءات اقصاء مرشحين عن خوض الانتخابات، بذرائع لا تقوم عليها قائمة، سوى الثأر السياسي، أو اضفاء شكوك جديدة حول مدى نزاهة الانتخابات القادمة، اذا كان يُراد لها ان تكون حقاً، وبوتائر كيدية بادية للعيان.
وخلافاً لدورها، دخلت المفوضية بقوة على خط الصراع بين اطراف العملية السياسية. واعادت الى الواجهة ذرائع لم تعد لها قيمة في واقع الحال بعد ان جرى البتّ فيها خلال الدورة التشريعية الموشكة على الانتهاء. وقبل ذلك أُشبعت نقاشاً في الحوارات التي سبقت وأعقبت تشكيل الحكومة الحالية، وهي حوارات ظللتها مداخلات عربية وإقليمية ودولية، ثم تُوجت بلقاء أربيل، واجتماع القيادات العراقية في بغداد وانتهت إلى إبرام "صفقة" الولاية الثانية للمالكي، دون ان يفي بشروط الصفقة.
فالإقصاء عن الترشيح تحت لافتة الاجتثاث، باطلٌ سياسياً وقانونياً، بالنسبة لكل العناصر التي كانت مستهدفة بها و"أخلي" سبيلها بقرار من القيادات المخولة، او تزكية من البرلمان، أو بفعل التسوية، مقابل "البيعة المشروطة" للسيد المالكي. ولهذا يُعتبر اي اجراء من هذا القبيل، ليس باطلاً بحكم القانون ودلالة القرار السياسي فحسب، بل مردوداً على من يوصي بها او يعتمدها.
اما "فريّة" الإحالة الى محكمة النشر، والاتهام "بالقذف والتشهير" الذي طاول ويطاول نواباً، فهو معدوم الصلاحية، لان "القذف والتشهير" محوّرٌ من اصله، باعتباره "نقداً" مهما قيل فيه من قسوة التعبير، مارسه نوابٌ مكلفون بالتعبير عن الرأي، تنازلوا عن حقهم باستخدام "الكراسي" او "التحاور باللكمات والعض بالاسنان"! كما هو متداول في البرلمانات المتحضرة!
واذا كان التعريض بوسيلة النقد الكلامي الجارح والاتهام والكيل بمكاييل القذف، يرفع الحصانة عن النواب، افليس الاولى بالمفوضية ان تُقصي رئيس دولة القانون، لكثرة ما وجه من اتهامات (لم يؤكدها)، لكل قيادات العملية السياسية، بالفساد وتخريب الدولة، بل وحتى بالتواطؤ مع الإرهاب وداعش؟!
ان على من يقف وراء هذه السياسة الإقصائية، التي لن تجعل من الانتخابات القادمة، سوى مسرحية ساخرة، لا تُغري عاقلاً بتقريضها، ناهيك عن المشاركة فيها، التراجع عن ممارستها، وإيقاف مفعول قراراتها. ولابد من التأكيد على ان ما يجري هذه المرة، لن يخلق مجرد أزمة من الازمات التي تعودنا عليها، بل سيعرض العملية السياسية، ومستقبل العراق، الى خطر داهمٍ يصعب التكهن بعواقبه، الا اذا كان مهندس الاقصاء، و"أمّ تدابيره" يعرف ذلك ويبّيت له، ويتوقع نتائجه وهو ما يريده...
جميع التعليقات 4
أبو سعد
تعديل الدستور العراقي ليكون لكل العراقيين دون التمييز بين الطوائف والقوميات ولاقليات لحفظ وحدة العراق وسيادته وادخال قانون الضمان الاجتماعي ضمن فقراته هو الظمانه الوحيده لبناء دولة المواطنه.وهذه مسؤلية العراقيين جميعا دون استثناء طالما فشلوا قادة المشهد ا
علي سعد
أستاذنا الفاضل لقد وضعت الأصبع على الجرح وعبرت عن شجاعة قلم المدى الذي نفتقد اليه اليوم في الصحف لأخرى مفوضية تابعة للأحزاب = تزوير وعدم نزاهة الانتخابات ومهزلة بطاقة الناخب هي الدليل الأمثل على ذلك
ابو سجاد
المواطن العادي يحملكم انتم رجال القانون والمثقفين مسؤولية مايحدث من تداعيات في العملية الانتخابية ولكونها جزء من الدستور نحن نلاحظ كل يوم هناك خرق في الدستور ولو احصينا هذه الخروقات لكانت الحصيلة ان الدستور تمت صياغته من قبل مجموعة من الجهلة وليس من ذوي ا
ابوعمر
أشد على يديك الكريمتين، وأتابع عن كثب ما يجود به يراعك بوضوح الرؤيا السياسية وعمق هاجس الوطنية لديك. لا أخفيك سيدي الكريم أننا بتنا نضع أيدينا على خوافقنا مخافة التزوير أو إجهاض الانتخابات ليخلو الجو لمن يريد العبث بمستقبل العراق. اللهم احفظ العراق وشعبه