"صخام وجهي " لازمة لطالما رددتها المرحومة ام راضي ، في تأنيب زوجها وأبنائها الستة لكسلهم وترك أعمالهم الزراعية في الريف ، وكأنهم في سبات طويل ، ولم تنفع توسلاتها ونصائحها في حث الأب والأبناء على ان يكونوا فلاحين مخلصين لمهنتهم لتوفير دخلهم السنوي ، والابتعاد عن سماع اغنيات بنات الريف عبر الراديو "ابو الباتري" قبل دخول الكهرباء الى قريتهم ، فالجهاز اللعين بحسب وصفها كان سببا في تجمع رجال القرية في" ربعة ابو راضي" واستهلاك المزيد من الشاي والسكر ، كمتطلبات ضرورية لشروط الضيافة ، اثناء الاستماع الى الراديو وحتى ساعات متاخرة من الليل ، ومن ايجابيات السهرات الليلية المتواصلة ، انها منعت اللصوص من شن غاراتهم لسرقة العجول والغنم من بيوت القرية ، ومن سلبياتها اهمال الزوجات اللواتي دخلن الى القفص الذهبي حديثا ،وسماعهن اسماء ليلى مراد واسمهان وهدى سلطان وام كلثوم يرددها الازواج ، فأثار ذلك التساؤلات والاستفسارات والقلق والمخاوف ، من قرب دخول الضرة الى بيت الزوجة الاولى.
لجأت النساء المتزوجات حديثا الى ام راضي لطرح مخاوفهن من التحول الجديد في سلوك الازواج ، مع تخويل باتخاذ القرار الثوري المناسب لاحباط مخطط دخول الضرائرمن امثال اسمهان وغيرهن في حياة الازواج ، المرحومة تبنت القضية ، وطلبت مهلة زمنية لا تتعدى يوما واحدا لتدارس المسألة "وجه وكفه " وبحثها من كل جوانبها ، لعلها تتوصل الى نتيجة حاسمة لحل المشكلة ، وبخلاف ذلك ستلجأ الى الخيار العسكري لاجبار الرجال على احترام مؤسسة الزواج بقوة السلاح.
سهرات الرجال تواصلت ليلا ، وفي النهار فضل الجميع النوم وكانهم في سبات عميق ،وهواجس الزوجات تضاعفت ، واثناء ذلك توصلت ام راضي الى حل المشكلة بإخفاء "باتري الراديو " والاحتفاظ به في مكان سري ، لاعتقادها بان هذه "البلية " هي سبب اندلاع الازمة وفقدان الثقة خاصة بين المتزوجين الجدد .
في زمن "الراديو ابو الباتري" كان مالك الارض الاقطاعي ، صاحب نفوذ وسلطة وبموجب صلاحياته وبوصفه شيخ العشيرة ، ابدى انزعاجه من كسل فلاحيه وفي مقدمتهم ابو راضي ، فبعث باحد اتباعه الى الرجل للتعرف على اسباب العزوف عن العمل ، فجرى لقاء مختصر بين الطرفين وعاد المبعوث خائبا، لأنه لم يحصل على سبب حقيقي مقنع للمحفوظ ، فقال امامه انه لم يسمع سوى "صخام وجهي " من زوجة الرجل ، فظل سر السبات مبهما ، حتى بعد اعلان اقامة النظام الجمهوري .
نساء القرية وبحكمة الراحلة ام راضي تبددت مخاوفهن من الضرات بعد توصلهن الى معرفة ان "راديو ابو الباتري" كان يبث اغنيات اسمهان وام كلثوم وهدى سلطان وغيرهن ، فانفرجت الاسارير ، ورحل القلق ، ولكن المشكلة الجديدة التي برزت تمثلت بانتقال السبات الى بقية القرى والمدن الاخرى ، فنامت على العراقيين "الطابوكة"، ولم يحركوا ساكنا ضد من سرق أموالهم، وأعادهم الى العصور القديمة والى زمن الراديو ابو الباتري وبكائيات بنات الريف .
سبات "أبو راضي "
[post-views]
نشر في: 19 مارس, 2014: 09:01 م