TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عربانة العراقي

عربانة العراقي

نشر في: 21 مارس, 2014: 09:01 م

العربة بعجلتين او ثلاثة باحجامها واشكالها المختلفة وحتى أسمائها رافقت العراقيين منذ القدم ، واجدادهم القدماء باختراعهم العجلة المصنوعة من الحجر او الخشب ثم المعادن استخدموها في الحروب والتنقل، والنزوح من مكان الى اخر ، والفرار من الغزوات الخارجية ، بحثا عن ملاذ امن في مراحل ضعف الدولة وعجزها عن توفيرالامن لشعبها ، والدفاع عن حدودها .
العربة "العربانة" باللهجة العامية الدارجة ، استخدمت من قبل كل شعوب الكرة الارضية ، ثم تخلت عنها بعد عصر الاختراعات ، ولكنها في العراق ظلت محافظة على حضورها ، تسير في الشوارع العامة وسط العاصمة مع السيارات باحدث موديلاتها، وانواعها ، وباستثناءات قليلة تصدر قرارات بحظر سير العربات التي تجرهاالحيوانات، والاخرى "الدفع " لاسباب تتعلق باجراءات احترازية للحفاظ على الامن خلال ايام المناسبات الدينية ، واقامة مؤتمرات دولية في العاصمة ، وقبل عشرات السنين صدر قرار بمنع سير العربات "الربلات " فاذعن اصحابها للقرار وتركوا مهنتهم ، فاختفى الربل والعربنجي من المشهد، وحرم الجيل الجديد من ركوبه ، فيما ظل الجيل السابق من الرجال والنساء ينقلون للابناء والاحفاد حكايات طريفة عن الربلات واصحابها مع ابداء الاسف الشديد على غيابها ، وظهورها في الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية القديمة فقط ، الحكايات كانت تحمل اشارة واضحة الى زمن الاسترخاء والحنين الى الماضي بوصفه شهد استقرارا امنيا وسياسيا نسبيا اما حاضره فكان بداية الدخول الى فصول الجحيم .
العربانة الدفع رافقت العراقي في محنته الممتدة الى عشرات السنين ، استخدمها في نقل مفردات البطاقة التموينية ، من الوكيل الى المنزل ، وقناني الغاز السائل وجليكانات النفط ، في موسم ازمة شح الوقود ، فولدت حالة من الالفة بين العربة واصحابها ، لانها خير معين لهم في الشدائد ، يدفعها صاحبها برفق مبتعدا عن الطرق الوعرة ،ومطبات المجاري ، وحين يواجهه جدار او حاجز امني يلتزم بالمثل الشعبي "امشي شهر ولاتطفر نهر " ليعطي لعناصر الاجهزة الامنية الذين حولوا الاحياء السكنية الى ثكنات عسكرية الدليل القاطع على تعاونه ، والتزامه بالقانون والضوابط والتعليمات الرسمية ، وهذا السلوك اكتسبه العراقي عندما خضع للتلقيح بمصل" السكوت من الذهب" والسير بمحاذاة الحيطان والحذر من آذانها بالامتناع عن الكلام خشية انيقوم الحائط بكتابة تقرير يرفعه الى الجهات المختصة ، ويتحول بقدرة قادر الى مخبرسري مكلف بمراقبة العملاء والخونة المرتبطين باجندات خارجية ، تهدف الى افشال العملية السياسية ، واسقاط النظام الديمقراطي بعربانة دفع صاحبها نائب ضابط متقاعد من منتسبي الجيش العراقي المنحل .
العراقيون الملقحون بمصل ( السكوت من ذهب ) كانوا يتدافعون امام دوائر التجنيد للحصول على كتب سوقهم لاداء خدمة الاحتياط ، وعندما يقطع الطريق لمرور موكب مسؤول كبير بحجم الثور او الفيل ، والوصف هنا للموكب وليس للمسؤول ، يشغل منظومة المشي السريع ليصل الى مقصده ولا يخطر في باله الاحتجاج او الاعتراض، لخضوعه الى تاثير مفعول اللقاح .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram