بالأمس كان هناك المئات ، نساءً ورجالاً ، ازدحمت بهم قاعة بيت المدى في شارع المتنبي، وكانت المناسبة الاحتفاء بذكرى مرور 25 عاما على رحيل سيد الغناء العراقي محمد القبانجي ، الفنان الذي أصبحت أغنياته جزءاً من كنز مشاعرالعراقيين، يستعينون بمحتوياته حين تعصف بهم خطب الساسة وحروبهم ، على أصوات آلات العازفين وهم يقدمون : "سلام على دار السلام سلاما " و" وذبيت روحي على الجرش" و"انا المغني" ، وبين المقام الحكيمي ، وأصول نغم الخنابات ، الجميع يغنون ويصفقون مع تصاعد صوت المطرب، وكأنهم يستمعون الى النشيد الوطني فتلمع العيون بدمع واحد، والوجوه بشجن عراقي.. حتى يخيل اليك انهم يكتشفون أغنيات القبانجي للمرة الاولى، او انهم يعيدون اكتشاف العراق الكبير الذي يريد له البعض ان يرقد تحت ركام من سياسات جاهلة، وخطب وشعارات سيئة الصيت والسمعة.
ننظر الى وجوه الجالسين، والمئات من الذين اصروا ان يكملوا الحفل واقفين وهم يرددون كلمات الأغاني بفرح وشجن فتشعر أنهم محاربون ، يستحضرن كل شجاعتهم من اجل أن يبقى العراق كبيرا، فتيا، متدفقا بالحيوية، ويدهشك في وسط هذه الأجواء المسكونة بالحنين أن لا احد تذكر ما قاله "الحاج" نوري المالكي قبل يوم من أن هناك من يسعى الى إسقاط العملية السياسية، وان هناك من يصر على شتم الحكومة.
الحضور أمس في المتنبي كانوا هم الأكثر انفعالا بالغناء لعراق غير طائفي، على نحو تحولت أمامه كل تهديدات رئيس الوزراء، من أن هناك من يتآمر على وحدة البلاد مجرد نكتة ضاعت وسط صوت شجي يخبرنا بأننا أمام خيارين : إما ان نغني لهذه البلاد ما غناه القبانجي يوما :
رعى الله صحبى في الرصافة أنهم
بقلبي على بعد الديار نزولُ
وفي الكرخ أهل لا أودُ فراقهم
ولا شاقني عنهم هوىً وخليلُ
او ان نصفق للحملة الوطنية لزواج القاصرات التي اعلنها الفقيه الدستوري حسن الشمري ، وفي الحالة الثانية فقط تتحول البلاد عند ساسة لايعرفون الحب الى مجموعة من المصالح الخاصة التي يريد البعض ان يحقق من خلالها الحد الأقصى من الأرباح الشخصية.
انظر الى وجوه الحضور التي امتلأت فرحاً وطرباً وحباً لهذه البلاد ، وأتذكر كلمات المالكي فاضحك متخيلاً الكارثة التي يلوح بها رئيس مجلس الوزراء ، لو ان الجميع لم ينصاعوا لأوامره ويصبحوا جزءاً لا يتجزأ من قبضته الحديدية، التي انتشرت علائمها في بوسترات انتخابية متجهمة تخيرنا بين ان نكون معهم في بناء إمارة مختار العصر، او نطرد من هذه الأرض.
بالأمس كنت فرحاً كلما علا صوت المغني " تحيا بلادي " مؤمنا ان هذه البلاد ستظل بخير، على الرغم من كل الخطب والشعارات التي تريد ان تصور لنا أن المالكي وحده القادر على إنقاذنا من الكوارث ، وأن قبضته هي التي لن تجعل عقد البلاد ينفرط.
بالأمس عشنا في شارع المتنبي مع يوم عراقي ناصع، فيما يعيش لنا أهل وأشقاء في الأنبار أياماً سوداء مثل ظلام عقول ساستنا، وفاحشاً مثل غياب الرحمة، أيام يريد فيها البعض ان نعيش معه سنوات جديدة من الفرقة والخراب.
بالأمس في بيت المدى عشنا مع نساء ورجال يعرفون جيدا اهمية وقيمة العراق، ويحترمون تاريخه وذاكرته، أكثر بكثير من صغار الساسة الذين يتقافزون أمام الفضائيات على إيقاعات مثيرة للضحك والخجل، بالأمس جعلتنا أصوات الحضور وهي تسخر من هلوسات السياسة، حين تذكر المطرب والحضور بستة القبانجي الشهيرة "غنية ياغنية كيفي صارت حرية" ، لندرك جيدا ان هذه البلاد اكبر من كل خاطفيها من سياسيي الصدفة ممن لا يعرفون قدرها جيدا.
فيا ابناء بلدي الطيبين، أنصتوا الى خفقات قلوبكم ، ، ففي النهاية انتم المنتصرون،، فبغداد الكرملي وغائب طعمة فرمان والكاظمي والجادرجي وكوركيس عواد وعفيفة اسكندر لن تتحول الى امارة من إمارات الحاج عبعوب، وسنظل نغني مع القبانجي:
سلام على دار السلام جزيل ...... وعتبى على ان العتاب طويل
بغداد لا اهوى سواك مدينة ...... ومالي عن ام العـــــــــراق بديل
بغداد .. بين احاديث " الحاج " و صوت القبانجي
[post-views]
نشر في: 21 مارس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سعد
رقي المواطن العراقي ذكركك فيما يعيش لنا أهل واشقاء في الانبار أياما سوداء مثل ظلام عقول ساستنا وازيدك اللذين سرقوا فرحتنا في بناء وطن بسيط(ماللذي تلده الافعى غير أفعى مثلها وماللذي اتى به نظام الاستبداد السابق سوى ردت فعل اقذر من فعله. ومالنا بفعله ومن رد