بدم بارد ضغطت إصبع القاتل على الزناد، فسقط زميلنا الصحفي والأستاذ الجامعي محمد بديوي شهيداً مضرجاً بالدم، لترتفع مُجدداً راية الحرية الحمراء، تطلب للعراقيين أن يستظلوا بها، مواصلين مطلبهم في الحرية والعيش بأمن وكرامة، وقد أريقت لأجل ذلك أنهار الدماء الزكية، وسينطلق السؤال هل كان القاتل بكامل وعيه؟ أم كان يمارس القتل مدركاً أن السلاح هو الفيصل، في دولة فُقدت فيها السيطرة، وبات على كل من فيها أن يأخذ حقه بيده، وهل يتحمل زملاؤه في فوج الحرس الرئاسي جميعاً المسؤولية عن الحادث، وهل كان تصرفه امتداداً لجملة تصرفات شبيهة، يقوم بها هذا الفوج، الذي يتمتع بسمعة طيبة خالية من أي خدوش، في أوساط سكان المنطقة التي يتولى حراستها؟
نعرف أن الفرد العراقي مندفع، غير أن انسحاب هذه الصفة على بعض الاعلاميين والمثقفين، وهم من نتوقع منهم الالتزام بالموضوعية، بدا مُثيراً للاستهجان لأنهم كانوا الأكثر اندفاعاً وتهوراً، وبديهي التفريق بين حرية الإعلام، واللجوء للغة سوقية تتفنن في إبراز قدرتها على الشتم والتحريض، ويؤشر انحياز الكثيرين ضد واحد من مكونات الشعب العراقي، لأن فرداً منه ارتكب جريمة، إلى أن الجميع مستعد لارتكاب الجرائم بحق الوطن، دون أدنى تفكير بالمصلحة الوطنية العليا، وكأنّ السبب كان أن القاتل كردي والقتيل عربي، وكأنّ الشجار بينهما اندلع بدوافع إثنية، ولم ينجم عن تمسك ابن الحكومة بعنجهية السلطة المطلقة، وانتصار القتيل لكرامته.
ليس هناك شك أو مساومة، في ضرورة محاسبة القاتل، لمنع اتساع الشرخ العربي الكردي، الذي كرّسته السياسات الحكومية الخاطئة، لكن ذلك يطرح سؤالاً عن عدم محاسبة مسؤولين مقربين من رئيس الحكومة، ارتكبوا جرائم مماثلة، لم تحظ بكل هذا الشحن الإعلامي، الذي لن يلغي قناعتنا بحق الإعلاميين العراقيين كافة، في الدفاع عن حريتهم وكرامتهم وحقهم في الحياة، وكان حرياً بالذين استعرضوا طائفيتهم، أن يوجهوا جهدهم لإثبات أن الدكتاتورية التي يمارسها أعلى هرم السلطة، تنتقل بالتقمص إلى أصغر موظف حكومي، وإلى آخر منتسب للجيش أو للشرطة.
رغم بعدنا جُغرافيا عن الشارع العراقي، فإننا رأينا بسهولة فرسان الطائفية البغيضة، وهم يستغلون الحادثة بعيداً عن أي خلق للتكسب الانتخابي، وشهدناهم يتنافخون شرفاً، وكل منهم مستعد ليعلن نفسه ولي الدم، وليذرف دموع التماسيح حزناً وكمداً، زاعماً أنه والذين معه، يواجهون بصدورهم العارية المؤامرات التي تحاك ضد السيادة الوطنية، مع أنهم وحدهم المسؤولون عن العبث الذي تشهده بلاد الرافدين، المستباحة اليوم من كل القوى الإقليمية، بفضل ساستها الذين يفتقرون لقواعد شعبية متينة، مبنية على المصلحة الوطنية، فيسعون لتقوية قاعدتهم الطائفية بالاستعانة بالخارج، بغض النظر إن كان سعوديا أو إيرانيا، أو حتى أميركياً وبالتغاضي عن الدين من الأساس، ما دامت المصلحة الفردية والحزبية تستدعي ذلك.
نشد بالطبع على يد كل زملائنا الصحفيين المحتجين على الجريمة، التي أودت بحياة الإعلامي الدكتور محمد بديوي، باعتبار أن كل واحد منهم معرض لمصير مشابه، ونقف معهم لنطالب بمعاقبة القاتل، بعد محاكمة عادلة ونزيهة وشفافة، وليس استناداً إلى عصبية الثأر عند ولاة الدم الطارئين، لكننا لا نستطيع أن نفهم قرار بعض الصحف بالاحتجاب احتجاجاً، متخلية عن دورها التنويري المطلوب في يوم كهذا، أكثر من أي يوم آخر، درءً لفتنة ستصيب مقتلا من الجميع، مع أن المؤكد أن روح الشهيد تتمنى أن لا يذهب دمه هدراً، وأن لا يكون مادة للاستغلال البشع، بدل أن يكون منارة للحرية والديمقراطية المفقودة والمنشودة.
دم الشهيد ليس للمُتاجرة
[post-views]
نشر في: 23 مارس, 2014: 09:01 م