في سعيه لولاية رابعة، قال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ودون الاستناد إلى تأييد طبي لمقولته، إن حالته الصحية الواهنة لن تمنعه من الترشح للانتخابات، كما لم تمنعه من الوعد بإجراء إصلاحات دستورية في حالة فوزه، وأكد دون أن يرف له جفن، أن مواطنيه هم من أصر على تطويقه بثقتهم، وهم من رفض إعفاءه من أعباء المسؤوليات الهائلة التي قوّضت قدراته، وكأن ليس بوسع المراقب أن يرى التظاهرات الاحتجاجية على ترشحه، بسبب مشاكله الصحية والشكوك شبه المؤكدة حول قدرته على تولي ولاية رابعة، بعد تعرضه لجلطة دماغية قبل عام.
يُحمّل رجل الجزائر المريض مواطنيه مسؤولية ترشحه، لإمعانهم في الحكم على أن يبذل بقية ما تبقى لديه من قوة، في استكمال إنجاز البرنامج الذي انتخبوه من أجله أكثر من مرة، وأنه كي لا يخيب أملهم في ترشحه، وفوزه طبعاً، مع أنه يعز عليه عدم الاستجابة لنداءات كل المواطنين، والمجتمع المدني والتشكيلات السياسية والهيئات النقابية والمنظمات الجماهيرية، ومع تأثره البالغ بتلك النداءات وبثقل وخطورة المسؤولية، ورغبة منه في تسخير كل طاقاته، لتحقيق ما يأمله كل جزائري من إصلاحات دستورية، فإنه قبل المهمة، مُتعهداً بالسعي لإيجاد الظروف السياسية والمؤسساتية، التي تتيح بناء نموذج من الحكم يتجاوب وتطلعات الشعب وآماله.
يبدو أن خمسة عشر عاماً من حكم بوتفليقه، وهو بكامل صحته، لم تكن كافية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتكريس حقوق الإنسان والديموقراطية وتحقيق التوازن بين السلطات، فظلّت مؤجلة إلى ولايته الرابعة، التي لن يحاسبه بعدها أحد، وطبعاً الأعمار بيد الله، وها هو اليوم يعد بأن يستشعر كل جزائري، ما تعيشه الأمة من ديمقراطية حقيقيّة جليّة، من خلال تكريس حقوق الإنسان في جميع نواحي النشاط، وضبط التوازن بين السلطات، لتمكين مختلف المؤسسات من العمل دائماً تحت مظلة دولة الحق والقانون، والمثير للسخرية أن التعديلات الدستورية المقترحة، تتعلق بتحديد عدد الولايات الرئاسية، لمنع كل من يأتي بعده من التشبث بكرسي الرئاسة، إلى اللحظة الأخيرة من عمره، لأن هذا يخصّه وحده، ومقصور على قدراته الخارقة، وكأن أي رئيس جديد لن يكون قادراً على تعديل الدستور بما يتناسب مع ميوله وأهوائه.
اليوم فقط يدعو بوتفليقه إلى الوحدة الوطنية، التي أطاح بكل أسسها، ويدعو لإشاعة الدعة والسكينة في المجتمع، ويحذر ولو متأخراً جداً من نعرات الانقسام، داعياً للابتعاد عن الإيديولوجيات البالية، المتنافية مع التطور، وذلك في إشارة إلى المواجهات المذهبية التي اندلعت بين عرب مالكيين وميزابيين أباظيين، وأوقعت أكثر من مائة جريح وقتيل، وهو هنا يعد بالتصدي لكافة أشكال الأنانية والأثرة، التي تقوض أواصر التعايش والتواد، بمشروع مجتمع قوامه التكافل والإيثار، وهذا كلام جميل، لو صدر عن مترشح للرئاسة لم تطأ قدماه القصر الرئاسي، لكن صدوره عن رجل قضى فيه خمسة عشر عاماً، لا يدل إلا على فشل سياساته الذريع، في الاستجابة لمطالب الشعب وطموحاته.
وبعد، لن نستهجن مُطلقاً أن يختتم بوتفليقه حملته الانتخابية الراهنة، بمطالبة شعبه بانتخابه حيّاً أو ميتاً، ذلك أن كل تصرفاته تؤشر إلى إيمانه بحقه في ذلك، وسلام على بلد المليون شهيد.
انتخبوني حياً أو ميتاً
[post-views]
نشر في: 24 مارس, 2014: 09:01 م