الكواز ابو جواد ورث مهنته عن ابائه واجداده، وعرف في سوق الصدرية حيث يقع محله بجانب الرصافة بانه اخر ما تبقى من اصحاب هذه المهنة لانتاج "الحباب والتنك والبساتيك والدنابك " باستخدام مواد اولية متوفرة بكثرة في تربة مناطق تقع خارج محافظة ديالى وبالتحديد في النهروان المحاذية للعاصمة ، وهناك تقع الافران "الكور" ،ونظرا لتراجع الاوضاع الامنية في تلك المناطق ، انحسر نشاط الكوازين ، وأصبحت صناعتهم مهددة بالانقراض على الرغم من امتدادها الى العصور القديمة في التاريخ العراقي.
ابو جواد علم ابناءه المهنة لاعتزازه بها وحفاظا عليها من الانقراض كغيرها من المهن الاخرى التي لم تصمد امام الزحف التكنولوجي الحديث ، ودخول اجهزته وادواته في معظم البيوت العراقية في المدينة والريف ، والرجل يتشرف بلقب الكواز ، ولا ينزعج من المثل الشعبي الشائع :" مستقبل التنكة كحف " لان ما يقال وبحسب اعتقاده ، لا يقلل من اهمية مهنته ، بقدر ما يشير الى حضورها في اذهان الاجيال العراقية ، وقصة المثل تعبر عن معنى مجازي يؤكد خضوع الكثير من الاشياء والمظاهر وحتى الشخصيات لعوامل التاثير من الاحسن الى الاسوأ ، ولذلك ارتبط "الكحف" اي ما تبقى من "التنكة والحبانة" باسماء زعماء وقادة سياسيين ورؤساء وملوك في المنطقة العربية ، انتهى بهم المطاف اما في منتدى المخلوعين ،او احيلوا الى القضاء ، وصدرت بحقهم احكام الاعدام والسجن والمؤبد ، وبعضهم مازال يخضع لاجراءات التحقيق بتهم ارتكاب جرائم ابادة ضد شعوبهم وسرقة المال العام ، والصفة المشتركة لهذا الصنف من الحكام ،التشبث بالسلطة بنزعة استبدادية لحين حلول موعد يوم القيامة ، لكن ارادة شعوبهم ، واحيانا الغزوالخارجي احبط احلامهم ورغبتهم في نقل عروشهم من الابناء الى الاحفاد.
الموروث الشعبي قال كلمته الفصل عندما منح صفة "الكحف" لمن يدعي بانه باق في موقعه ومنصبه خارج سياقات الزمن والتاريخ ، وتجاهل حقيقة التحولات والمتغيرات السياسية والاجتماعية وضرب عرض الحائط اعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة ، بوصفه المظهر الابرز في الانظمة الديمقراطية ، وقد نص الدستور العراقي على ذلك ، فمن حلل موروث الشعبي بعدا قانونيا وحث الجميع من الطبقة السياسية والمسؤولين الالتزام بالمواد الدستورية ، وبخلاف ذلك سيصبح مستقبلهم متطابقا مع ماورد في المثل الشعبي.
من محاسن الديمقراطية بنسختها العراقية ، انها منحت الناخبين حق ازاحة الكثيرين من المشهد السياسي ، وفي استعراض سريع للاسماء، هناك العشرات من النواب السابقين او زعماء قوى سياسية انتهى بهم المطاف في العاصمة الاردنية عمان ، وبعضهم تفرغ لتربية الخيول وحضور سباقاتها الاسبوعية ، والصنف الثالث دخل الى الساحة الاعلامية ليعمل مقدم برامج، وليس من المستبعد ان يلجأ احدهم لانتاج مسلسل تلفزيوني من ثلاثين حلقة لاستعراض تاريخه النضالي ودوره في توطيد النظام الديمقراطي ، يوم كان "حبانة" كبيرة صنعها كواز اميركي .
مستقبل "الحبانة "
[post-views]
نشر في: 24 مارس, 2014: 09:01 م