كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد ان يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل ان يذهب الى المقهى، ويحرص على ان تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة في كيس صغير ليسهل عليه توزيع (آناتها) ثمناً لما يشربه الذين يلتفون حوله في المقهى مصفقين له بحرارة كلما ألقى بيتا من الشعر.
وينقل لنا المؤرخ الراحل خيري العمري ان احد الساسة العراقيين كان شديد الإعجاب بنفسه محبا للشهرة التي تدفعه احيانا الى استئجار أناس يكيلون المديح له في المكان الذي يتواجد فيه نكاية بمعارضيه.
عن التصفيق والمصفقين قرأت كتاباً بمؤلف مصري غاية في التشويق والمتعة عنوانه "لماذا يصفقون" والكتاب في الحقيقة يتجاوز مسألة التصفيق عند إخواننا المصريين ليتناول تاريخ التصفيق عند جميع الشعوب وكيف تحول المصفقون إلى أصحاب مهنة تدر عليهم أموالاً.
تذكر كتب التاريخ أن الإمبراطور نيرون أسس مدرسة خاصة لتعليم فنون التصفيق وفي زمنه أصبحت مهنة المصفقين المأجورين رائجة، وأنه كان يأمر ما يقرب من خمسة آلاف فارس وجندي من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني فيها وهو يعزف على القيثارة؛ ليصفقوا له بعد أن ينتهي من الغناء والعزف.
وامتاز اليونانيون بكونهم اول من وضع قواعد لمهنة التصفيق،, فكان الشخص يحصل على مقابل مادي نظير التصفيق المتحمس لخطيب معين وكان بعض المؤلفين الذين يعرضون مسرحياتهم يؤجرون مجموعات من الجماهير تقوم بالتصفيق الحار لهم أمام لجان التحكيم.
يرى الفيلسوف ويليام جيمس أن التصفيق رمز مختصر للرضا فيما يؤكد عالم النفس فرويد ان التصفيق يكتسب أبعادا كثيرة, ليس من بينها الرضا على الإطلاق فالإنسان يلجأ الى التصفيق تعبيرا عن الضيق والغضب، فنحن غالبا ما نمارس التصفيق دون وعي مسبق, ودون أن تكون لدينا معرفة فاحصة ودقيقة بوظائفه وأنواعه والآثار التي يمكن أن تترتب عليه.
يخبرنا مؤلف كتاب التصفيق بان هناك أنواعاً عدة من التصفيق "يمكن التمييز بين نوعين منها التصفيق الأول تصفيق حر، يقوم به الشخص من دون ضغوط خارجية، وبمحض إرادته الكاملة، والثاني تصفيق إجباري، يقوم به الشخص مضطرا بسبب وجود ضغوط أو قيود تجبره على التصفيق. فالتصفيق مرآة تنعكس عليها علاقات السلطة بالناس.
في قصة "مسحوق الهمس" ليوسف ادريس يقول البطل " من قال انني افقد حريتي حين اتملق رؤسائي واصفق لهم بحماس، ان فقدان الحرية ليس سوى الاحساس السطحي الاول، فالانسان يظل يفقد اشياء كثيرة جدا في الحياة، كل مايملكه اوباستطاعته امتلاكه، كل ماينفرد به كشخص ".
يقول عبد الله العروي في كتابه "مفهوم الحرية": "أن التصفيق يعتبر فصاما حقيقيا في الشخصية العربية، فلا تزال عندنا ازدواجية تكرسها تراكمات سياسية تاريخية ممتدة منذ عصر الاستعمار وحتى تاريخ القهر والأنظمة الشمولية التي تدرب المواطن على أن يتحول إلى قرد يرقص ويصفق".
ذات يوم، كان العالم اينشتاين يلقي محاضرة في إحدى الجامعات وبرفقته صديقه شارلي شابلن وما ان انتهى من المحاضرة حتى ضجت القاعة بالتصفيق. سأل اينشتاين "لماذا يصفقون الى هذه الدرجة؟!"، رد شابلن "يصفقون لانهم لم يفهموا شيئا مما قلته".
يرتفع صوت السياسي ويرتفع معه التصفيق على الفور، لكنّ المصفقين لا يعلمون لماذا يصفقون أو لمن، المهم انهم يصفقون عندما تصلهم الاوامر، غير مبالين إن كانوا يصفقون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع!
بالأمس ارتفع صوت المالكي وهو يعلن انا ولي الدم وارتفع معه التصفيق على الفور، لكنّ جوقة المصفقين لا يعلمون ولايريدون ان يعلموا ماذا يجري في الانبار، وأين وصلت أنباء معركة ثار القائد محمد، وما صحة التقارير التي تنشرها الصحافة الأجنبية من ان بغداد المدينة الاسوأ في الخدمات والامن والمعيشة، لا يهم فهذه مسالة يمكن ان نتجاوزها الان، فنحن منشغلون بالتصفيق .. اما لماذا؟ لايهم.. المهم انهم يصفقون عندما تصلهم الأوامر، غير مبالين إن كانوا يصفقون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع.
دعوهـــم يصفقــون
[post-views]
نشر في: 24 مارس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
داخل السومري
و صفقوا لعل التصفيق ينفع.التصفيق ظاهرة طبيعية ابتدعها الانسان للتعبير عن كلام او مشهد يعجبه.ولما رأى المتسلطون فائدة هذه الظاهرة التي تعني الاعجاب والتأيد اخذوا بزرعون الاعوان في صفوف الجمع الذي جمع للاستماع الى ترهات القائد الملهم.وهؤلاء المندسون في صفوف