كم تبلغ مساحة بلادنا، العراق؟
في ذاكرتي معلومات من أيام الدراسة المتوسطة تُفيد بان مساحة العراق تبلغ 444 ألف كيلومتر وكذا كيلومتر.. حفظت الرقم لأن (4) يتكرر ثلاث مرات. يومها تمنيت لو ان (4) تتواصل بثلاثة أرقام أخرى لتكون مساحة العراق (444.444) كيلومتراً مربعاً، فتكون بلادي مميزة ليس فقط بنهري دجلة والفرات وشط العرب والأهوار وسواها، وانما أيضاً بهذا الرقم الفريد من نوعه.
أمس وجدتني أبحث عن الرقم الدقيق لمساحة العراق. أعرف كما يعرف الجميع ان صدام حسين تبرع أو تنازل عن مساحات غير قليلة من أراضينا الى بعض الجيران. دخلتُ الى موقع مجلس الوزراء الانترنتي فلم أجد ضالتي، فتوجهت الى موقع وزارة التخطيط، وعدتُ بخفي حنين ايضاً. حتى الكتاب السنوي الأول الصادر عن الوزارة (2011) لم يشر الى مساحة البلاد. لا أعرف لماذا!
الشبكة العنكبوتية تعطي أرقاماً مختلفة ومتضاربة. وعلى أية حال فإنها تشير الى ان المساحة لا تقل عن 435 ألف كيلو متر مربع . أكثر من نصف هذه المساحة غير مستغل لا في الزراعة ولا السكن ولا في استثمار الثروات الطبيعية. وللعلم فان مساحة العراق تعادل 25 مرة مساحة لبنان.
من هذه المساحة الشاسعة توجد قطعة أرض في العاصمة بغداد بمساحة تقل عن عُشر الكيلومتر، يقوم عليها مبنى القشلة التاريخي الذي لعب دوراً هائلاً في حياة البلاد السياسية أواخر العهد العثماني واوائل العهد الملكي، إذ كان مقراً لوالي بغداد العثماني والمكاتب الحكومية الرئيسة ثم مقراً للملك فيصل الاول ودواوين الحكومة في السنوات الاولى بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة. ثم أُهمل تدريجياً حتى صار مسكناً للبوم والحمام والهوام، وفي السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة أعيدت اليه الحياة، لست أدري أبفضل أمين بغداد السابق صابر العيساوي أم بفضل المحافظ السابق صلاح عبد الرزاق. والآن فان هذا المبنى يضجّ بالحياة يوم الجمعة، فقد غدا مركزاً ثقافياً وفنياً مميزاً تجتمع فيه مجموعات من الشباب، وبعض الشيوخ ، لتغني وترسم وتتناقش في الثقافة والسياسة والحياة الاجتماعية والاقتصادية، في أجواء آمنة ومستقرة بخلاف الأجواء خارج هذا المبنى.
هذه المساحة الصغيرة للغاية التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة على خارطة البلاد، يبدو ان احدى القوى السياسية قد استكثرت تخصيصها للشباب من المثقفين ورواد الثقافة وبدأت بمزاحمتهم عليها.. لم يكفها ان اعلاناتها الانتخابية وغير الانتخابية قد احتلت مساحات كبيرة من جدران المباني وأسطحها وأعمدة الشوارع والساحات في كل مدن البلاد وقراها. لن أتردد في ذكر اسم "كتلة المواطن" بوصفها من أعني.
أمس دخلت الى مبنى القشلة فاذا بلافتات دعائية كبيرة للكتلة اختفت وراء شعارات "المواطن يريد" و"عراق الأمل". وهذا الاسم الاخير هو لمبادرة شبابية رائعة ترعاها كتلة المواطن في ما يبدو تعمل لإشاعة ثقافة النظافة بين الناس.
أيها الإخوة والأصدقاء في كتلة المواطن وسائر الكتل السياسية التي قد تحذو حذو "المواطن" فتغزو القشلة ... رجاءً فرجاءً ثم رجاءً، ابقوا بعيداً عن هذا المكان الصغير للغاية .. انه المتنفس الوحيد لشباب الثقافة وشيوخها في العاصمة .. انتم جميعاً فشلتم عبر حكومتكم وبرلمانكم حتى في ترميم ولو دار واحدة للسينما والمسرح والفن والموسيقى في بغداد حتى في العام الذي رُسّمت فيه عاصمة للثقافة العربية.. لماذا تريدون ابتلاع هذا المكان؟ أمامكم 435 ألف كيلومتر مربع العبوا فيها ما تشاؤون وتصارعوا في ما بينكم عليها كما تشاؤون، واتركوا لنا هذا المكان الذي لا يظهر للعين المجردة على الخارطة.. هل هذا كثير؟.