عيونها المهددة بالعمى ترقب عتبة شقة مؤجرة تدفع استحقاقها الشهري من دم قلبها المفجوع برحيل فارس العُمر عساه يعود على وقع خطو خجله وانكسار ظهره الذي ما انحنى طوال 81 عاماً إلا لخالقه ، لكن هيهات ، رحل إلى مثواه واستراح للأبد ، تاركاً الحزن رفيقاً أبدياً لزوجته ، فلا أمل لها إلا بتنفس الصبر مثله تماماً يوم أعياه المرض، قاوم وتمسك بكرامته ولم يتوسل عطف بشر، بقي على عكاز وفائه للعراق "الأب الكبير" أحبه كثيراً ولم يخنه أو يعصه أمراً، فنام مستريح الضمير إلا من وديعة شرفه في الدنيا (أم نفل).
زوجة وولد .. هما تركتا اللواء محمد نجيب كابان أحد سفراء كرة قدم الشرطة وركناً تاريخياً بارزاً من حضارة الرياضة العراقية التي كلما ذُكر ماضيها ورد أسم الرجل بمهابة وفخر، لم يكن يعلم أن أواخر العمر لمن خدم العراق ستكون حُبلى بكل ما تعنيه المأساة من قساوة وظلم في بلد لم يبخل عنه شيئاً حتى في محنة مرضه الذي داهمه بلا رحمة وقضى نحبه في مثل هذا اليوم قبل أربع سنوات، فبقي أسير قدره حاله حال عشرات الرياضيين النجباء الذين تركونا وفي قلوبهم غصّة مريرة لمن استكبر واستحقر حتى نفسه طمعاً من اجل جاه ومال لم يكن يحلم بهما وهو يتبوأ منصباً في نادٍ أو اتحادٍ أو أولمبية أو وزارة متناسياً هموم بُناة الرياضة الحقيقيين ممن أهملوا ولم يُلتفت إليهم قط لتظل شكوى عوائلهم تطارد المسؤولين وتصم اكتفائهم بالفرجة على رحيل رجال الرياضة الأوفياء بالعار والشناءة.
أم نفل ، زوجة مخلصة وأمينة على سمعة زوجها كابان طيب الذكر، لم تشأ أن تلوك به ألسنة أشباه الرجال ممن يَعِدون ويَخلِفون ، طرقت باب الإعلام هذه المرة لنصرة قضيتها بعدما صدمها صمت أصحاب القرار ولم تجد حلاً نهائياً لمعاناتها في مقارعة متاعب الحياة لاسيما إنها مهددة بإخلاء الشقة الصغيرة التي تحمي عفتها وتستظل تحت سقفها بالنزر القليل من قوتها اليومي عقب توقف قلب كابان (وطنها الآمن الكبير).
أي زمن هذا تلد المأساة فيه على ظهور الشرفاء؟ فاللواء كابان الشهم والغيور لم يكن جاحداً يوماً ما في عطائه، بل كان كريم النفس حتى مع ألد خصومه ، فباحة داره القديمة كانت مضيفاً عامراً بخير الرافدين لوفود عربية وخليجية استطابت نفوسها على أصالة أبن العراق أيام تنظيم العاصمة بطولات الشرطة والاحتفاء بنجوم الكرة مطلع العقد السبعيني وسط سخاء بغدادي قلّ نظيره.
هناك من يدينون لكابان بالفضل لما بلغوه من مكانة في رياضة اليوم لكنهم انشغلوا بمباهج الحياة وملذاتها والتربّص بعقود يسيل لها اللعاب لكسب (صفقات الكروش) وتناسوا دورهم في متابعة أسرة اللواء الذي لم يجد أي منهم يحمل نعشه على سطح سيارة التكسي التي ذهبت به للخلاص من ناكري الجميل وأدعياء العمل بالمعروف نفاقاً وأفكاً.
ترى هل من الإنصاف أن تبقى زوجة كابان وغيرها من أرامل النجوم الكبار في العراق يستصرخن ذمم الإنسانية لإنقاذهن من مصير أسود يهددهن بعدما ضحين بحياتهن من اجل مساندة أبطال الرياضة الراحلين بالرغم من الظروف الصعبة التي كانت تحيط أجواء عملهم في حكومات متعددة قطفت زهرات أعمارهم أيام الشباب ورمتهم على أرصفة الإهمال بلا رعاية ولا سكن ولا راتب مناسب يقيهم ذلة الشيخوخة؟!
اقترح على المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الذي يرأسه نجم كرة القدم السابق رعد حمودي أن يفاتح الاتحادات المركزية لإعداد قوائم بأسماء الرياضيين الراحلين ( وهم لن يتجاوزوا 100 اسمٍ) إذا ما حددت ضوابط خاصة تعتمد فقرتين مهمتين هما : أولاً الموقع الوظيفي الذي شغله الرياضي قبل رحيله ومنجزاته الدولية للأندية والمنتخبات، وثانياً إجراء مسح دقيق لظروف عائلته ليتسنى للتنفيذي رفع توصية إلى وزارة الشباب والرياضة صاحبة المشروع الأول في البلاد (قانون مُنح الرياضيين الأبطال والرواد) لتمضي بمشروع إنساني ثانٍ لبناء مجمع سكني خاص يرفع عن كاهل الأرامل أعباء كثيرة ويكافىء جهودهن التي أسهمت في دعم رياضة الانجاز من خلال مساندة الراحلين في السراء والضراء.
وديعة شرف كابان
[post-views]
نشر في: 29 مارس, 2014: 09:01 م