TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خرائب الحلة.. خرائب العراق

خرائب الحلة.. خرائب العراق

نشر في: 29 مارس, 2014: 09:01 م

وددت أن أكون بارّاً بوعدي للشاعرة الاندونيسية روز، القادمة من المانيا، والتي حضرت فعاليات مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية الثالث، حيث وعدتها بالكتابة عن المهرجان الذي تخلفتُ عن حضوره العام الماضي لأسباب قاهرة، وكنت ساعتئذ حزيناً، ذلك لأني لم أر بابل من قبل ،أقصد خرائب أو آثار بابل . هذه المدينة التي اخترقت أسماع الدنيا وشغلت الفكر والعاملين في الحفريات والآثار زمناً وستظل تشغلهم حتى آخر الزمان، ولِمَ لا تشغلهم، فهي بابل والجنائن المعلقة ونبوخذ نصر وآشور بانيبال وحمورابي وسرجون؟
وحَسْبُ السائح ان يقف على إحدى الدعائم الطابوقية الكبيرة للبرج ويطل على نهر الفرات الذي يطوق المدينة القديمة ليتصور الدنيا كيف كانت قبل ثلاثة أو أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، بل حسبه ان يقف على بوابة عشتار،المتحكمة في أمور البشر والتي عشقها كبار الآلهة (اونو، انليل، اشور) التي بناها العظيم نبوخذ نِصّر الثاني حبّا لزوجته، والبوابة المكسوة بالمرمر الأزرق والرخام الأبيض والقرميد الملون. والمزينة بـ 575 شكلا حيوانيا مثل التنين (سيروش) والثيران العظيمة.المرصعة جدرانُها بتماثيل الأسوُد والثيران والحيوان الخرافي (مشخشو)وهو رمز الاله مردوخ.
ولأن العظمة كانت بابل لا يمكنك وأنت تجتاز بوابة عشتار، البوابة الرئيسة لسور المدينة الداخلي، والرئيسة إلى شارع الموكب الذي يعد الشارع الرئيس لمدينة بابل إلا أن تتصور الطريق المقدس الذي يربط المدينة ببيت الاحتفالات الدينية المعروف ببيت" أكيتو" وهو يخترق شارع الموكب من بوابة عشتار في اتجاهه نحو الجنوب، والذي يمتد ليصل البوابة العريقة التي يتم العبور منها إلى قناة" ليبيل حيكال" على جسر خشبي إلى معبد (نابو شخاري) الواقع إلى الجهة الغربية. حيث يستمر الشارع جنوباً بمحاذاة سور الزقورة ومعبد أيساكلا منعطفاً غرباً حتى يتم الوصول إلى نهر (أراختو) وهو الجدول المنساب بمياه نهر الفرات.
لا تبدو هذه السطور مقدمة طللية ، لكن الآجر الترابي المحروق والملاط الاسود المعفر بثرى الأجداد والخطى الوئيدة التي عليك تناوبها باستحياء وأنت تجوس داخل المباني والقاعات العريضة، وأنت تدخل وتجتاز الإيوانات وتتفادى الشمس، وهي تبزغ خلال الأقواس الساحرة، وأنت تستحضر أرواح الكهنة وأنصاف الآلهة بثيابهم الطويلة الفضفاضة وكؤوس خمرتهم العتيقة وأنت تشهد ذلك كله ستبصر أن المدينة خالية من ذلك الآن . ذلك لأن بابل (المدينة) اليوم لا تختلف عن بابل (الخرائب) أمس، وسيان لديك إن أقمت في المدينة تلك او دخلت المدينة هذه!
أقول ذلك رداً على بعض الأصدقاء الذين يزورون البصرة بدعوة من إدارة مهرجان المربد أو الذين يزورونها لسبب من أسباب الحياة، اقولها لهم وهم يتذمرون من قلة الخدمات البلدية المقدمة في المدينة، وهم يشاهدون أكوام النفايات في بعض شوارعها الخلفية وحتى الأمامية، اقولها وهم يحتجون على سوء إدارة الفندق هذا أو المطعم والمقهى ذاك، أقولها لهم وهم يتجولون في شوارع الكورنيش والجزائر و14 تموز والخورة والمعقل وسواها، أقولها لهم وهم يصعدون سفينة السلام او سفينة مركز علوم البحار، كذلك اقولها لمن يقلل من شان قاعة عتبة بن غزوان التي تبدو وحيدة داخل المدينة . أقول لهم اتقوا الله في المحافظ ورئيس المجلس ومدير البلدية ودائرة الميناء والنفط ووو... أقول ذلك كله لمن لم ير بابل (الحلة) من قبل . أقول : البصرة مدينة جميلة، وفيها من العناية ما ليس في مثيلاتها من مدن الوسط والجنوب فاحمدوا الله على النعمة أيها البصريون .
حين فكرت بكتابة المادة هذه سألت عن أحوال محافظات كثيرة مثل الديوانية والناصرية والسماوة وواسط والعمارة وكربلاء وأطراف بغداد لأني لم أزرها منذ سنين، وحين ذكرت لبعض الاصدقاء أحوال مدينة الحلة قالوا بأن مدناً كالتي ذكرت هي محض اقضية فقيرة، لم تنلها يد الحكومة الفدرالية بعد، لا بل أن صديقاً من سكنة كربلاء قال لي بأن رئيس الوزراء عنّف قائممقام قضاء طويريج لسوء حال القضاء حين زاره. ترى ما الذي فعله لنا هؤلاء، الذين انفقوا المليارات من أموالنا، وهل يجدون بيننا من سينتخبهم ثانية ولسان حالنا يقول : إذا كان الزمن قد خرّب بابل فقد خرب سياسيو السنوات العشر الماضية عراقنا بأكمله. ترى هل أجرؤ على إرسال عمودي هذا للشاعرة روز بعد هذا كله، وهل يجرؤ أحدكم؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تعطيل الدوام غداً في ذكرى النصر على داعش

الخطوط العراقية: 1523 رحلة و214 ألف مسافر خلال تشرين الثاني

العدل: تأهيل 3000 حدث خلال عامين وتحديث مناهج التدريب وفق سوق العمل

إيران تكشف لغمًا جوّيًا يصطاد الطائرات المسيّرة من السماء

هيئة الرصد تسجل 8 هزات أرضية في العراق والمناطق المجاورة خلال أسبوع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram