الصكار الإنسان الفنان الفائق الإنسانية كان لمن يعرفه عن قرب طيفا مرهفا ،ولكنه الطيف الذي يترك أعمق الأثر في عبوره المضيء ، فهو يحيا بخفة الكائنات المجنحة عابرة الوجود بلا ضغينة أو كراهية أو طمع ، يمضي حالما ومنتجا في غربته وصمته هو الذي لم يعش أو يرسم أو يكتب إلا في فسحة من أمل عراقي بدأت تضيق عليه في السنوات الأخيرة كما أفصح لي في آخر لقاء لنا قبل عامين في عمان بمنزل الأستاذ باسم مشتاق . وكان أبو ريا مهموما تفجر به الشوق للعراق ودمعت عيناه فأدركنا حينها انه ما عاد قادرا على مكابدة المزيد ، لذا اتخذ قرار الرحيل وضاعف أجنحته ومضى محمولا على حروفه وقصائده إلى هناك.
سلاما لإبداعه الحي الذي قدم لفنون الخط العربي ما تخطى به جمود أشكاله ووضع حروف الكومبيوتر العربية وأنجز " أبجدية الصكار" ثم وضع منهج قراءة جديداً للمدارس بخطه جرى تطبيقه في عدد من بلدان أوروبا في معاهد تعليم اللغة العربية ورفضته وزارة التربية العراقية بدعوى إغفاله تنمية الانتماء القومي لدي الصغار !!
أنجز الصكار ابتكاره لخط عربي حديث يتناسب مع عصر الكومبيوتر والمعلوماتية اشتغله بفن ودراية وخبرة روحية فياضة بالجمال والحداثة ، واعتمدته مجلة آفاق عربية في السبعينات نمط خط رسمي لها . لكنّ حروبا شعواء واجهت مشروع الصكار الخطيّ فتوقف استخدام منظومته في عراق التعصب القومي ليغادر العراق مرغما نحو المنافي.
التقيت الصكار منذ أربعة عقود في مكتب مجلة الثقافة المجاور لسينما الخيام ، يوم كان الراحل الدكتور صلاح خالص رئيس تحريرها والدكتورة سعاد خضر مديرة التحرير وكنت قد نشرت أولى قصصي( في الأعالي تموت النسور ) على صفحات "الثقافة" فحظيت باحتفاء كبير حفزني لإعداد كتابي القصصي الأول ( ممر إلى أحزان الرجال ) سنة 1970 ، وكان الصكار من أوائل المساندين والمشجعين لطبع كتابي، وعرض علي بكرمه وروحه النبيلة أن يهديني خطوط عناوين القصص وعنوان الكتاب ، كنا أشبه بأسرة واحدة نتساند ونحتفي ببعضنا رغم كوننا من أجيال مختلفة ، وبعد أن أتم الأستاذ الصكار رسم الخطوط بالخط الديواني الرشيق بأقواسه المموسقة ،تكفلت الدكتورة سعاد خضر بمفاتحة مطبعة الجاحظ لطبع الكتاب ، و كان للصديق الصكار محترف أنيق في الباب الشرقي يضم أعماله الخطية ولوحاته ومكتبة صغيرة كنا نستعير منها كتبا نادرة ،وإلى محترفه كان يتردد كتاب ونحاتون ورسامون ، وبين حين وآخر يقيم معرضا صغيرا لأعماله وخطوطه ،وبمناسبة المعرض أحضرت لمكتب الصكار نبتة ظل مورقة في سندانة نحاسية وكان هناك فنانون وصحفيون ، اقترح الصكار أن يفاتح الفنان الكبير ضياء العزاوي بتصميم غلاف كتابي فرحب الفنان العزاوي بالفكرة وأنجز بعد قراءته للمجموعة لوحة ساحرة بالألوان المائية استوحاها من رموز رافدينية ، ولكن لصعوبة فرز ألوانها لم تظهر كغلاف ، فذهبت إلى مكتبة المتحف العراقي عندما كان العزاوي يعمل هناك وحدثته بالأمر فأكرمني مجددا بلوحة جميلة مبسطة للغلاف ، وهكذا ولد كتابي الأول بفضل الصكار بين أيدي فنانين كبيرين : الصكار وضياء العزاوي ورعاية مجلة الثقافة.
تعززت صداقتنا العائلية يوم كانت ابنته عازفة البيانو "ريا " تلميذتي في مدرسة الموسيقى والباليه لنفترق بعدها طويلا ثم ألتقيهم بعد تغربي 2007 في باريس.
-سلاما لروحك العراقية النبيلة أيها الصكار الذي ترجل عن غربته ومضى بعيدا دون أن يتفيأ بظل نخلة أو يتوضأ بماء دجلة - سلاماً أبا ريا.
الصكار.. يحلّق بأجنحة الإبداع نحو الأبدية
[post-views]
نشر في: 29 مارس, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...