تعد حركة مايس 1941 في العراق التي اقترن اسمها بالمرحوم رشيد عالي الكيلاني من اخطر الحوادث السياسية التي مربها العراق الحديث فقد جرى في هذه الحركة الكثير من الحوادث المثيرة التي لم تنته بانتهائها في نهاية مايس 1941 بل لحقته من الذيول ما يستحق التذكير والبحث، كان احتجنت سيرة زعيم هذه الحركة رشيد عالي بعد انتهائها الى وفاته سنة 1965 العديد من المواقف (الدرامية) والمثيرة التي تؤشر حب الكيلاني للمغامرات السياسية التي كادت تودي بحياته في اوقات متفرقة.
ويتعرض هذا المقال الى لمحات من حياة الكيلاني في منفاه واقصد هنا حياته في الاقطار الشرقية والغربية التي جال فيها بعد تركه ايران وعبوره الى الاراضي التركية مع جماعة من انصاره في 12 تموز 1941 على اثر التطورات الدولية والحربية التي ادت الى اعتقال الكثير من اقطاب حركة مايس وتسفيرهم الى العراق ليلقوا ما لقوه.. والحقيقة ان حياة العراقيين في الاراضي الايرانية على قصرها باتت معروفة لمتتبعي تاريخ العراق السياسي الحديث، بعد ظهوره كتب المذكرات السياسية لصلاح الدين الصباغ وعلي محمود الشيخ علي وعثمان كمال حداد والدكتور محمد حسن سلمان، والاهم من هذا كله مذكرات الكيلاني التي نشرها على حلقات في مجلة (اخر ساعة) القاهرية وهي ليست كاملة كما اعلن اكثر من قريب للكيلاني نفسه!ما ان استقر الكيلاني في اسطنبول حتى التف حوله العرب المقيمون في تركيا الذين يجمعهم العداء لبريطانيا ورجالها في الشرق فعقدوا معه لقاءات عديدة لبحث الموقف العربي واعلنوا انه يجب الوقوف علنا ضد بريطانيا وحلفائها وعقد معاهدة صداقة وتحالف مع دول المحور، وعلى ذلك فقد خوله اعضاء حكومته السابقون الذين التجؤوا الى تركيا مع انصار حركته، حق التفاوض مع الحكومة الالمانية، وحرروا وثيقة بذلك ويذكر الكيلاني في مذكراته انه حمل هذه الوثيقة معه الى برلين مع وثيقة اخرى من حكومته تخوله التفاوض باسم الحكومة العراقية باعتبار حكومته هي الحكومة الشرعية للعراق، وفحوى الوثيقتين تتعلق بحمل المانيا على الاعتراف رسميا بالكيلاني كرئيس وزارة للعراق لتكون المحادثات رسمية وان يعمل الكيلاني للحصول على تصريح رسمي من حكومتي المانيا وايطاليا باحترام استقلال البلاد العربية المستقلة والاعتراف ببطلان وعد بلفور المتضمن اقامة وطن لليهود في فلسطين.لقد وجد رشيد عالي ان وجوده في تركيا يشكل خطرا على حياته وليس هناك مايبرر هذا الوجود فقرر ترك تركيا والرحيل الى برلين بعد ان تفاقمت الدعاية البريطانية في تركيا فاتصل بالسفير الالماني الفون بابن.يقول لوكازهير في كتابه (المانيا الهتلرية والمشرق العربي) اعتمادا على الوثائق الالمانية التي سمح بنشرها ان رشيد عالي غادر تركيا بصفته عضوا في بعثة صحفية المانية قدمت الى اسطنبول بناء على دعوة من تركيا، وقد ابلغ المسؤولون الالمان الحكومة التركية بأن البعثة ستضم ثمانية اشخاص ولكن لم يصل منهم سوى سبعة وحين رحلت البعثة ضمت معها رجلا مغطى بالضمادات وقطع الشاش هو الرجل الثامن الذي منعه المرض من الاشتراك في الاستقبالات والرحلات وحين وصلت هذه البعثة الى برلين تبين ان الرجل الثامن لم يكن سوى رشيد عالي الكيلاني!!وقد سبق هذه المحاولة الناجحة من محاولات عدة قام بها الكيلاني للهرب من تركيا غير ان السلطة التركية كانت تعلم بنيته من خلال مراقبتهم لمرافقه (نجدة الشواف) الذي قام بشراء عدد من الحقائب الجديدة.ولحق بالمرحوم رشيد عالي والمفتي الحسيني الى برلين، عدد من انصارهما امثال ناجي شوكت وكامل الكيلاني والدكتور محمد حسن سلمان ونجدة الشواف وجابر العمر وعلي الصافي وعبدالحميد الهلالي وفوزي القاوقجي وصبحي ابي غنيمة وغيرهم وعين الدكتور غروبا الدبلوماسي الالماني الشهير ضابط اتصال بين العرب وبين الحكومة الالمانية ويجدر القول ان مفتي فلسطين الحسيني كان قد التجأ الى المفوضية الالمانية في طهران بعد تركه العراق ثم هرب متنكرا بملابس خادم السفير الايطالي في طهران، ومن تركيا سافر الى ايطاليا فاستقبله موسليني، غير انه ترك روما وقصد برلين.وفي برلين بدأ رشيد عالي نشاطا واسعا مع القادة الالمان، غير ان الخلاف الشديد الذي نشب بينه وبين مفتي فلسطين الحسيني بعثر جهوده وجعلها تنصب على التنافس مع المفتي، ومع هذا فقد تمكن من الحصول على خطاب رسمي من الحكومة الالمانية (حكومة الرايخ) مرحبا به كرئيس وزراء العراق الشرعي وفي تموز 1942 التقى الكيلاني الزعيم الالماني هتلر باحدى المقاطعات الروسية، وامتدح الفوهرر ثورة الشعب العراقي ضد الوجود البريطاني واعلن ان المانيا ليست لها مطامع في الوطن العربي كما التقى الكيلاني بالزعيم الايطالي موسوليني وقدم له مطالبه وهي عقد اتفاقية تعاون بين العراق ودول المحور واصدار بيان يتضمن الاعتراف باستقلال الاقطار العربية، بما فيها فلسطين كما تبادل الكيلاني مع وزيري خارجية ايطاليا والمانيا على الرسائل مطاليبه القومية الوطنية.ان وجود الكيلاني في برلين ونشاطه السياسي فيها وقصة خلافه مع المفتي الحسيني فيها وقصة خلافه مع المفتي الحسيني فيها، يستاهل دراسة مستقلة لبيان حقيقة الموقف العربي من دول المحور حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية. وعندما بدأت جيوش الحلفاء بالاقتراب من برلين هرب رشيد عالي الى سويسرا وباءت محاولته للاستقرار فيها بالفشل، ويذكرالدكتور حمدي الخياط في مذكراته انه في اول مايس 1945 عندما كان
رشيد عالي الكيلاني في المنفى 1941 - 1965
نشر في: 4 أكتوبر, 2009: 05:45 م