في خطوة مباغتة وغير منتظرة، ردّت القوى الإسلاموية على هزيمتها في يبرود والقلمون، باجتياح حصن النظام الحصين وحاضنته، فاحتلت كسب والخربة السمرا ونقطة 45، ووصلت صواريخها إلى اللاذقية، التي ظلت بعيدة عن مرمى أي نيران معادية لنظام الأسد، وباتت المعارك المحتدمة في شمال سوريا، محط أنظار ومتابعة كل من يهتم بالأزمة السورية، لجهة الدور التركي فيها، إذ ليس معقولاً أن تتمكن قوات المعارضة من تحقيق مكاسبها، في تلك البقعة من الجغرافيا السورية، بدون أن تؤمن لها تركيا كل دعم ممكن، بما في ذلك الغطاء الجوي، حيث تم إسقاط مقاتلة سورية، بالتزامن مع إسناد مدفعي، لا يُمكن تغطيته بالكلام المجاني الصادر من أنقره.
برغم ما رافق العملية الأخيرة من دخان وغبار، فان المؤكد أن ما حدث ليس أكثر من انتصار في معركة، وليس انتصاراً في الحرب، فالمنتصرون اليوم غير قادرين حتى اللحظة على التثبت في مواقعهم، والنظام وحلفاؤه لن يسمحوا لهذا الاختراق بالاستمرار، مهما تعاظمت كلف الانتهاء منه ومن تبعاته، إلا إن غامرت تركيا بالانخراط في المعركة بالكامل، لمنع الجيش السوري من إعادة بسط سيطرته على ما فقده من مواقع، غير أن ذلك يبدو أمراً شديد الصعوبة والتعقيد، ما دفع أردوغان للتراجع، ربما بعد تحذيرات روسية إيرانية بتوسيع نطاق الحرب، أو لأن الأطلسي أبلغه أنه لن يشاركه غزوته، التي بدأها دون تنسيق معه، كما أنه ليس مؤكداً أن الجيش التركي مستعد للانصياع للطموحات الأردوغانية، وهو ينظر إلى إصرار دمشق على طلعاتها الجوية في المنطقة، رغم إسقاط احدى طائراتها، ما يكشف عن إرادة قتالية لم تزعزعها الهزائم الأخيرة في مناطق الشمال.
اعتبرت السلطات التركية التنصت على اجتماع ضم قادتها الأمنيين، وجرى الحديث خلاله عن اختراع سبب للتدخل العسكري في سوريا، بمثابة إعلان حرب، ومن جانبه قال الرئيس التركي، إن الجميع يُدرك مدى حساسية الحدود السورية التركية، وهي عُرضة للتهديدات في ظل الأزمة القائمة، وهذا ما يدفع تركيا لأن تكون في حالة تيقظ دائمة، خصوصاً وأن التهديدات وصلت لضريح سليمان شاه، وهي البقعة الوحيدة خارج تركيا التابعة للوطن التركي، ما يفرض واجب الدفاع عنها وعن العلم التركي الذي يرفرف فوقها، لكنّه حين شدد على ضرورة الحذر من الانسياق للاستفزازات، الهادفة لجر تركيا للحرب، لم يُفسر لنا دوافع حالة التيقظ المطلوبة، ولم ينف صحة التسريبات من الاجتماع الأمني.
تؤكد المعارك الأخيرة في شمال سوريا، عدم قدرة أي من الفريقين على تحقيق انتصار شامل ونهائي، وأن ما سنشهده من الآن فصاعداً هو عمليات كر وفر غير حاسمة، وقد تندلع المعركة الكبرى في أي لحظة في جنوب البلاد، لتخفيف الضغط في الشمال، على أمل تثبيت أقدام معارضي الأسد لأطول فترة ممكنة، مع إدراك أن ذلك لن يكون نهائياً، على أن خطوة كهذه ستعمل على تشتيت قوة الجيش، بأمل أن يتمكن المعارضون من استثارة خزان النظام البشري، وتحويلهم إلى مناوئين له، على خلفية ما يلحق بهم من خسائر دفاعاً عنه.
راهنت أنقرة على سقوط نظام الأسد، من ضمن مراهناتها على نجاح الإخوان المسلمين، في تقلد زمام السيطرة على المنطقة، لكن " الظلام لم يكن على قدر يد اللص"، تعثرت مسيرة الإخوان، وانكفأ الدور التركي ليعتني بداخل مزقته المشاكل، التي انفجرت في وجه أردوغان، وهو يلتحق بركب الدكتاتوريين، ليصف معارضيه بأنهم أبواق للأسد والسيسي، فهل يكون أنصاره العرب حلم السوريين؟، لا نظن ذلك أبداً.
معركة كسب والدور التركي
[post-views]
نشر في: 30 مارس, 2014: 09:01 م