من عتمة الفقر ومعاناة البسطاء ، طلع يوسف سلمان يوسف " فهد" ، وفيما هو يخط بيده أول منشور للحزب الشيوعي العراقي ، قال لاحد العمال حين سأله عن معنى الاستقلال : "إذا عشنا إلى يوم تحرر البلاد من الاستعمار ، ستعرف عندها معنى ان تكون حرا ".
انحدر الرعيل الأول من قادة الحزب وكوادره من أسر كادحة ، ضربت جذورها في تربة العراق المعطاءة، يتقاسمون خبزهم مع أناس أكثر فقراً . وقبل ثمانين عاما بالتمام والكمال كتب المؤسس "فهد" بيان الحزب التأسيسي، جسَّد فيه كل ما يعكس نبض الكادحين وآمالهم وتطلعاتهم الى وطن حرٍ وشعب سعيد. ومنذ البيان الأول بدا انحياز الشيوعيين الى خيارات الناس وتطلعاتهم. وفي سبيل ذلك تعرضوا إلى سلسلة من القتل والموت لا تنتهي، فهم في كل يوم على موعد مع القتلة والجلادين .
ثمانون عاما و قضايا الناس هي صليب الشيوعيون الذي يحملونه أينما حلوا، ورؤياهم التي أتاحت لهم سفراً دائماً نحو الحرية، نتذكر أولئك الرجال المذهلي الشجاعة، الرافضين أن يطويهم النسيان، نقرأ اليوم سيرتهم، ونمعن النظر في هذه التجربة الممتدة على طريق الأحزان في ارض العراق، العراق الذي عانى من الظلم لعقود طويلة، كتب سلام عادل يوما: "لنناضل من اجل ألا يعيش العراقيون تحت وطأة الخوف الذي يحطم إرادة الإنسان وعزيمته ويقتل إنسانيته وكرامته."
ليس صدفة أن جميع الشيوعيين ، أمواتا وأحياء ، كانت خطيئتهم الوحيدة انهم احبوا أرضهم وأحلامهم ومستقبل أبنائهم، رجال ونساء نادوا بعراق حر وشعب مطمئن وآمن، طلبوا العدالة من أقبية المخابرات وعتمة السجون، لم يطلبوا امتيازات ولم يسعوا إلى مناصب، لم يطلبوا الكراهية وإنما المحبة، لم يطلبوا إلغاء الآخر وتجاهل التاريخ بل نادوا بالمساواة طريقا لبناء بلد جديد.
حزب آمن بالانفتاح الفكري على العالم المتقدم والتفاعل الخلاق مع عوامل تقدمه، مع صيانة الحرية الفكرية وإشاعة ثقافة الاستنارة المدنية المعتمدة على العقل والعلم وحرية الإبداع في كل مجالاته.
منذ انطلاقتهم الأولى في يوم 31/3/1934 لم يفصل أبناء الحزب بين ذواتهم ومآثر وطنهم وقضاياه. وظلوا يعيدون صياغة حياتهم ليصبحوا اكثر استعداداً لتكريسها في تحديد مسارات الحرية لبلادهم والارتقاء باستعداد شعبهم للتحديات التي تتطلبها.، والكوكبة من المناضلين الذين أطلقهم الحزب الشيوعي العتيد الى سوح الكفاح ومعتركاتها في بغداد والأنبار والسليمانية والبصرة وذي قار وميسان وأربيل والحلة والكوت ومعظم مسالك الحياة في سائر أنحاء العراق، شعَّ من بينهم اكثر من شهيد وبطل كانوا ينشرون الأمل كل صباح من خلال كلماتهم اللّماحة وأفعالهم التي تحمل نفحات حب الوطن ودروس النضال والتضحية وتكريس مفاهيم النزاهة والترفع عن كل ما يضعف القيم النضالية.
كان فهد ، من تجّليات الضوء الإنساني رجلا مجبولا بالحب ، والحب رؤية، وبدل أن يرى النضال انتهازا للفرص، أعطى السياسة أرفع معانيها : العيش بالقرب من الناس.. ورجال النور في هذا العالم الدامس والمخضَّب بالدم، يعرفون أن الانتصار الأكبر هو الانتصار لقيمة الحياة.. كل بضعة عقود يخرج من وسط الظلام البشري، رجل يشعّ انسانية وشجاعة وتسامحا ومحبة ، وواحد من هؤلاء كان فهد منحوتا مثل منارة سيظل يُهتدى بها في عراق متلاطم ، يريد سرقته الظلاميون ، وتجّار الطائفية والظلم.
يعلمنا فهد ورفاقه ان لا نعيش اسرى الماضي، وان نهرب من جنازة موت الحاضر ، الى الماضي المضيء ، لأن رجاله يقدمون شهادة، على أن الحياة تستحق النضال من اجل جعلها افضل وأنقى، ويعلمنا ماضي فهد المشرق ان هذا الحاضر البائس بفضل سياسيي الصدفة ليس قدرا محتوما لا خلاص منه.
اليوم تبدو مواقف الشيوعيين في استعادتها كأنها نشيد بلازمة واحدة تتكرر، السجن، النضال، حب الناس والدفاع عن حقهم في حياة كريمة ، من فهد الذي ضحى بحياته، الى مئات من خيرة أبناء هذا الشعب ، تعلمنا سيرهم ، ان نتحسس نبض الوطن، ونعكس هموم الناس وآمالهم وتطلعاتهم وننأى عن الأصوات التي تدفع نحو تشويه الحقائق وتزوير وقائع التاريخ.
كأنَّ الثمانينَ إرثً البلاد النقيّ جميعاً
فَحسْبُكَ أن طالَ ليلُ البلادِ وان أوجِعَت بالرزايا
وَحسْبُكَ أن طُوّقت بالمنايا
بسفرِ الثمانين حسبكَ منها اليقين
" الأبيات الأخيرة للشاعر المبدع ابراهيم البهرزي".
" ثمانون " فهد
[post-views]
نشر في: 30 مارس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 5
علي السالم
الاستاذعلي المحترم ...قد اوافقك الراي ان الحسنة الوحيدة للحزب الشيوعي هو ابعاد تسييس الدين والسعي لدولة مدنية او هذا مايفهم من شعار (وطن حر وشعب سعيد) لكني اسالك ماذا فعل الحزب في زمن عبد الكريم قاسم غير السحل في الشوارع وتعليق الجثث على اعمدة الكهرباء حا
ابو اثير
سيدي الكريم .. بدأ أهنأك وزملائك في العمل ومناضلوا الحزب بذكرى تأسيس الحزب أضافة الى مناصروه وأصدقائه وتذكرت أيام ما بعد ثورة تموز وكان عمري آنذاك لا يتجاوز الثلاثة عشر عاما وكنت متابعا وشاهدا لفعاليات الحزب في تلك الفترة الذهبية للشعب العراقي وكنت على مق
رعد الصفار
الف شكر لهذه المقاله الرائعه
ابو سجاد
حتى عام 1979 الاسود عندما ضرب النظام السابق الحبهة الوطنية كان الحزب شعلة من نار ويتحدى اعتى دكتاتورية بالتاريخ ولكن اسالك يااستاذ علي اين هو اليوم لماذا لم يكن له اي فعل على الساحة كنا نجاهر علنا اننا شيوعيون باعلى اصواتنا وامام البعث الفاشي واليوم رغم ا
شكري العراقي
تحياتي واعتزازي بكم ياشقائق النعمان