2-3
"الرياح تنقلب يا صديقي، وإذا انقلبت يعني هذا أنها العاصفة" (ص98)، ذلك كان هو شعار عائلة بيروسي في "قنال موسيليني" رواية الإيطالي أنتونيو بيناكي التي بدأت بالحديث عنها في العمود الماضي، أولاً كانوا اشتراكيين، لكنهم ما أن يروا صعود الدوتشة حتى يتحولوا إلى أتباع مخلصين له، لأن العائلة المُستغلة من الإقطاعي غراف زورسي فيلا، كانت على يقين أن الفاشية وحدها التي تفتح أمامها أفاقاً جديدة. كيف لا؟ فبعد أن أصبحوا مديونين للإقطاعي، بلا أرض تقريباً، وعدتهم الفاشية بتحويلهم إلى ملاكين صغار، بتمليكهم قطعة أرض من الأرض الموعودة، الجنة الموعودة لآلاف العوائل المستوطنة التي ستنشأ على الأراضي المجففة في مناطق الأهوار لاتينا؟ خاصة وأن أحد الأعمام في العائلة، "أسد القبيلة"، بيريكله يملك علاقات في العاصمة الإيطالية روما، فيما الجدة – وهذه قصة طريفة يلعب بها الروائي أنتونيو بيناكي بشكل جميل، لأنها تبقى في إطار التلميح حتى نهاية الرواية – غازلت الدوتشه وجلبت انتباهه ذات يوم، أعجبته شخصيتها ومؤخرتها عندما جاء لزيارتهم مرة واحدة مع روسوني.عائلة بيروسي التي هي نموذج لعائلات على نمطها، فاشيتهم خالية من الأيديولوجيا، لها علاقة بالمصالح وحسب، إنهم يرتبون حياتهم مع النظام الفاشي، على قاعدة "حرية وديموقراطية بهذا القدر من اللطف لم نكن عشناهما قبل ذلك"، ليس من الغريب إذن، أن لا عائلة بيروسي، التي هي أصلاً عائلة ريفية بسيطة، ولا العائلات الأخرى التي رأت في الفاشية مستقبلاً جديداً، خاصة الفلاحين الذين حصلوا على الأراضي، أو التجار الذين رأوا في الفاشية إعادة للنظام (خاصة تجار ميلانو، حيث وطئت الفاشية أقدامها أولاً)، "أخيراً، هناك الفاشية هذه التي تجلب شيئاً من النظام، لم يعد الأمر يُطاق مع كل فوضوية الحمر هذه، دائماً إضرابات، دائماً فوضى" (ص68)، ليس من الغريب إذن أن هؤلاء لم يجدوا في جرائم الفاشية ما يثير التساؤل ذات يوم، "موسوليني على حق دائماً"، تلك كانت هي الجملة السائدة، سواء عندما جفف موسوليني مناطق الأهوار تلك، كأنه أراد تجريب سلطته وقوته في بداية صعوده السياسي مع الطبيعة، رغم أن تجفيف الأهوار ليس براءة اختراع خاصة به، مملكة إيطاليا حاولت دائماً القيام بذلك، سهول عديدة في جنوب ووسط إيطاليا ظلت مهجورة قروناً عديدة بسبب هروب السكان للجبال، حماية لنفسها من غزوات البرابرة والساراسانيين (أجداد تيو ساراسين..هلو تيو!!) ومن ثم بسبب الملاريا، لكن موسوليني الوحيد الذي سار في المشروع حتى نهايته إحياء الأراضي البور وإنشاء قرى نموذجية عليها؛ أو سواء عندما يلغي الديموقراطية ويعتقل البرلمانيين من معارضيه ويطاردهم وإن استدعى الحال قتلهم كما عند قتله ماتيوتي؛ أو سواء في محاولته "خلق الإنسان الجديد - فلاح وجندي -، في الخير والشر" (ص 154)، لذلك أحبّ موسولوليني الريف وكره المدينة؛ أو سواء في قيادة حملات عسكرية لاحتلال بلدان أخرى، رغم أن لا أحد يعرف لماذا فعل ذلك، ففي النهاية لم يحصل من تلك البلدان على غنيمة ما، لا في أثيوبيا التي لم يجدوا فيها "غراماً واحداً من الحديد أو الفحم، ولا مادة خام أولية واحدة، ناهيك عن النفط"، النفط كان في ليبيا في كميات كبيرة، لكنهم "لم يستطيعوا العثور عليه" (ص284). أيضاً لم تكن هناك أراضٍ لتوزيعها على الفلاحين الإيطاليين. لا ذهب، لا رصاص، لا حديد، بكلمة واحدة: لاشيء! حملة استعمارية لاحتلال أثيوبيا وليبيا ولاحقاً ألبانيا واليونان عبثية. موسوليني قال "نحن نجلب لهم المدنية"، جنود من أصول فلاحية جعلهم الفقر والفاقة يتطوعون بالآلاف للقتال هناك، ولا أحد تساءل ماذا نبحث هناك؟ "الدوتشه على حق"، حتى عندما بدأ يسير على خطى هتلر ويصفي اليهود، لم يعترض أحد.
يتبع
في تشابه الفاشية وعدواها
[post-views]
نشر في: 1 إبريل, 2014: 09:01 م