"لا أظن أن في العراق مكاناً لدوكلص عزيز ورفاقه في العمل الإداري الرياضي، لكنني أتمنى أن أُدفن في العراق..ولمن يسأل عن عودتي فلم يتبق بالعمر شيء يستحق أن نَذلّ أنفسنا لضعاف النفوس الطارئين على الرياضة العراقية" بهذه الكلمات المؤثرة التي تعتصر قلب كل عراقيّ اختتم جنرال خط الوسط السبعيني دوكلص عزيز حواره مع الزميل روان الناهي لمجلة (حوارسبورت) بعددها لشهر آذار الماضي حيث بقي زميلنا يطارده هاتفياً بين بروكسل إذ يقيم هناك وأمستردام حاضنة غربة أحد كبار لاعبي الكرة العراقية ممن هاجروا الوطن منذ خمسة عشر عاماً هرباً من ظروف قاسية أسوة بعشرات من سواه ذاقوا ذرعاً لسوء تقدير مكانة النجوم وسط المجتمع وحلموا بزمن جديد ينتشلهم من الإهمال ويعطي كل ذي حق حقه، لكن دوكلص ومن سار على نبض حفظ الكرامة وجد (الأراضي المنخفضة) في هولندا الخيار الوحيد لقامته العالية أن تسير باطمئنان نحو ما تبقى من طريق العمر ويكاد ينفجر من سخرية القدر، فبدلاً من أن يسخّر عصارة سني خبرته من أجل اللعبة يجد نفسه اليوم يواسي منفاه بعصارة الدموع وطيف الذكريات يموج على ضفاف الشوق لفريقه الأخضر وزرقة دجلة واحمرار وجوه الجماهير في تموز (الكشافة والشعب) اللذين لم يزل يأخذ شهيق الحياة منهما ويزفر رائحة الموت كلما اعترته حمّى الخناق مستنجداً بشمّةٍ من قارورة تراب العراق.
دوكلص عزيز، عرفناك ابناً وفياً لـ(آليات الشرطة) يقف معك نخبة من الإداريين والمدربين واللاعبين وحتى المشجعين النجباء رصفتم ظهوركم ليرتقي عليها النادي في زمن ما إلى قمم المجد المحلية والقارية بفضل تعاضد زملائك للذود عن سمعته وتحملكم ظروفاً قاهرة لم تفت من عضدكم ومسؤولي النادي الذين تعاقبوا على قيادة أهم نادٍ مؤسساتي لإبقاء الفريق متوهجاً بانتصاراته، وكتبتم صفحات بيضاً لمسيرة أقتفى خطواتكم فيها جيل تلو جيل لم ترق لهم غير فنونكم وإخلاصكم ومآثركم التي غدت قصصاً من ليالي القيثارة الخالدات.
إني لأعجب كيف يجاهر جنرال عتيد في خطط الكرة بانهزامه أمام طارئين غير مسلحين بتاريخ قوي ؟! إطمئن يا دوكلص لن تكون النهاية في أمستردام ، هؤلاء استمرؤوا العيش على غنائم انتصاراتكم للكرة العراقية وحرياً بهم أن يصطفوا لاستقبالكم ويرفعوكم على رؤوسهم ويندبوا حظوظهم على ترككم في المهجر طوال السنين تحتسون همّ الانتظار لساعة العودة الكريمة إلى قلب الوطن لأنه يحتاجكم درعاً لرد ضربات الحياة القاسية في ملعبٍ لا تتكافأ فيه سلوكيات الجهلة والوصوليين ومقاولي الرياضة مع ثقافة فرسان زمانكم!
أيّ ظلم يُقترف بحقكم؟ فمثلما المواهب ولودة في بلدنا ويحين قطاف الورود متى نشاء، فعقولكم مصابيح أصقاع الغربة، تستنير دولاً كُبرى بالمال والاحتراف من خبراتكم الحصيفة وما فتئت الأندية المتقدمة في الخليج تكرّر تفاخرها بإقامة ثلة من ابرز رياضيي العراق للعهود السابقة على أراضيها تقديراً لأدوارهم وبطولاتهم في عهد مضى لم تكن دولهم قد أسست اتحاد كرة القدم كالذي ترأسه عبيد عبد الله المضايفي في 18 تشرين الأول 1948.
كرامتك يا دوكلص نطفة من شهامة وحياء رعيل الرواد المنزوين في أقاصي الأرض وليست يافطة خطها الناهي لترفعها قبالة الموانئ والمطارات علّها تكسر قلوب المكلفين بحماية الرياضة ممن أسكرهم سَحلَب الوجاهة وعَمَت بصائرهم نشوة السطوة على مقدرات رياضتنا وأموالها أن يذكروكم ولو مرة واحدة لبدء حملة ممنهجة لإجلاء صنّاع تاريخ كرة القدم وشقيقاتها من مدن الاغتراب وإعادتهم إلى دفء بغداد ينامون آمنين ويعملون مُخلصين لكل ما نتمناه في إصلاح بناء مستقبل الرياضة فنياً وتربوياً.
دوكلص.. عصارة الدموع
[post-views]
نشر في: 2 إبريل, 2014: 09:01 م