وأخيرا فقد الرئيس الفلسطيني أي أمل بالتقدم خطوة جدية على طريق الحل السلمي، بعد أن أفرغ تعنت نتنياهو المساعي الأميركية لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من أي مضمون، وواصل انتهاك كل القوانين الدولية، بالمضي في إنشاء المزيد من المستوطنات، ووصل حد العمل على مقايضة واشنطن على تنازلات تمس أمنها، مقابل تنفيذ أي خطوة كان تم الاتفاق عليها سابقاً، دون أن يثير ذلك رد فعل جدي عند إدارة أوباما، فلم يعد أمام أبو مازن غير الإقدام على خطوة يُفترض أنها طبيعية، لكن البعض اعتبرها نعياً نهائياً للمفاوضات، وتمثلت بالإعلان عن الانضمام إلى مؤسسات الأمم المتحدة والتوقيع على 15 من المعاهدات والمواثيق الدولية.
بين فهم الخطوة الفلسطينية على أنها بداية نهج سياسي جديد، أو أنها جزء من ضغوط اللحظات الأخيرة، الهادفة إلى انتزاع مطالب إضافية، تنهي سلسلة التنازلات التي بدا للبعض فيها أن السلطة مستعدة عملياً للتعايش مع الاستيطان، مقابل التوصل إلى بعض الاتفاقات الجزئية على طريق الحل الشامل والنهائي، بدت واشنطن عاجزة عن إدراك جوهر المسألة، فاتخذت قراراً نزقاً ومتعجلاً بإلغاء لقاء كان مقرراً بين كيري وعباس، وهي تتوهم أن الفلسطينيين سيعتبرون ذلك خسارة، مع أنه لم يبق لديهم ما يخسرونه، ويبدو أن عليهم مغادرة واقع أن كل بيضهم في السلة الأميركية إلى واقع جديد تتنوع فيه خياراتهم، ولا تخرج عن استراتيجيتهم السلمية.
لم يكن مُهماً عند الفلسطينيين أن تطلق واشنطن سراح الجاسوس الإسرائيلي في السجون الأميركية جوناثان بولارد، مقابل تحرير مئات الأسرى الفلسطينيين، فتلك قضية لا تعنيهم من قريب أو بعيد، لكن ما كان يؤرقهم هو استمرار عمليات الاستيطان الممنهج التي ستقف، سدا حائلا أمام ولادة الدولة الفلسطينية العتيدة، وذلك عندهم هو هدف التفاوض، الذي تحول بفضل السياسات الإسرائيلية إلى ماراثون عبثي، وكأن المفاوضات هي الهدف، وليس التوصل إلى حل نهائي شامل، لن يكون قادراً عليه، غير رجل دولة لا تتوفر صفاته عند بنيامين نتنياهو.
حماس وهي من عقد هدنة طويلة الأمد مع "العدو الصهيوني"، وجدتها فرصة للمزاودة على السلطة، فطالبت عباس، وهي تعرف أن ظهره بات ظهره إلى الحائط ولم يعد يملك هوامش للمناورة، بإصدار قرار بالوقف التام والنهائي للمفاوضات، وطبعاً دون أن تتحدث عن البديل، وهي تعرف أنها لا تملكه لاهي ولا السلطة، لكنها طبيعتها المُبتذلة في سعيها لافراغ أي قرار للسلطة من محتواه الإيجابي، لتعزيز سلطتها في إمارتها الغزاوية الطامحة للتمدد إلى الضفة، غير أن المؤكد أن عباس الذي يعرف حماس جيداً ويدرك مناوراتها، وهو المؤمن بالسلام قولاً وفعلاً، لن يلتفت إلى ما صدر من غزة، وسيتعامل معه على أنه كغثاء السيل لن ينفع الناس، أو يمكث في الأرض.
يتوقع البعض أن لا يمضي عباس بعيداً في خطوته المفاجئة والمضادة، خصوصاً بعد تأكيده أن السلطة لا تريد الدخول في مواجهة مع واشنطن، وأنها مستمرة في مساعيها السلمية من خلال المفاوضات، ويبدو أن ذلك ما دفع كيري لدعوة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى ضبط النفس، بعدما اتخذت اسرائيل قراراً ببناء المزيد من المستوطنات، معتبرة أن قرار عباس سيكون له نتائج خطيرة على كافة المستويات، واتهمته بمحاولة إفشال مهمة كيري قبل وصوله إلى إسرائيل للتوصل إلى اتفاق، ورأت أن السلطة تقوم عملياً بإلغاء اتفاق أوسلو عبر القفز عن المفاوضات والتصرف كدولة مستقلة، لكن المهم أن عباس بخطوته غير قواعد اللعبة لتتناسب مع طموح شعبه وليس للمناكفة.
عباس يغير قواعد اللعبة
[post-views]
نشر في: 2 إبريل, 2014: 09:01 م