TOP

جريدة المدى > عام > مكتبات بغداد في الذاكرة

مكتبات بغداد في الذاكرة

نشر في: 5 إبريل, 2014: 09:01 م

حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي، كان "شارع السعدون" يستعد كل مساء ليكون قلب بغداد النابض، فيما تخلد الأطراف الأخرى من المدينة الى بعض من الراحة جراء نهار عمل طويل. قبل ان تنطفئ في بغداد معالم كثيرة، منها "شارع السعدون" الذي صار الشارع الأشهر في العاص

حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي، كان "شارع السعدون" يستعد كل مساء ليكون قلب بغداد النابض، فيما تخلد الأطراف الأخرى من المدينة الى بعض من الراحة جراء نهار عمل طويل. قبل ان تنطفئ في بغداد معالم كثيرة، منها "شارع السعدون" الذي صار الشارع الأشهر في العاصمة بعد غروب مجد "شارع الرشيد"،وتحديدا منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، كان "السعدون" يبدأ حياتيا من جهة اليمين اذا كنت قد دخلت اليه من جهة ساحة التحرير، فثمة إشارتان الى حيوية أي مدينة معاصرة: وسائل الاسترخاء و وسائل المعرفة.
من ركائز أمكنة الاسترخاء في المكان كان كافتيريا " كيت كات" وفيها كان موعدي مع أولى  مغامراتي العاطفية في الجامعة، قبل ان ينفتح المكان لمشاوير أخرى تختلط فيها أصوات الأصدقاء الضجرين بنبرات خافتة لكتاب وصحافيين كانوا يجدون بعض الراحة في المكان القريب من ابرز مكتبات بغداد الحاشدة بالمعرفة وأثاث الغنى الروحي، فثمة "مكتبة النهضة" لصاحبها المكتبي هاشم والتي عملت فيها بعضا من الوقت، و"مكتبة التحرير" لصاحبها بناي، ولاحقا " المكتبة العالمية" التي أدارها الكاتب والناقد جاسم المطير.
وإلى جانب " كيت كات" ثمة كافتيريا مشابهة هي " فلسطين اكسبريس". و المكانان كانا ملتقى لراحة عوائل بغدادية وعشاق ورجال أنيقين تصحبهم كتبهم او صحفهم، فضلا عن سيدات جميلات كن يدخلن منفردات او ضمن حلقات من الصديقات اللائي كن يخرجن وقد توهجن بطعم القهوة التركية، وزادتهن "حلاوة" تنويعة من حلويات ومرطبات كانت تقدم بأفانين من الأواني التي يتراقص فوق حليبها المثلج، فستق حلبي أخضر.
ومن كان  قد بدأ جولته من المكتبات ولمسة النعومة في " كيت كات" سيخرج الى رصيف عريض ليلقي نظرة الى الجانب الآخر من الشارع الذي جاء نفق ساحة التحرير ليهشم منظور جمالياته المكانية، فمنع مجال الرؤية المطلوب لمشاهدة صحيحة لنصب الحرية، وغيّر الحضور المريح لأمكنة ومعالم منها "عمارة مرجان" بلمسات حانية ( استدارة العمارة برشاقة من شارع السعدون الى الجانب الآخر المطل مباشرة على ساحة التحرير) صممها من يصفه أستاذ العمارة الحديثة د. خالد السلطاني بانه " أبو العمارة العراقية الحديثة" المهندس جعفر علاوي العام 1954 . ومن المحال المنفتحة على "شارع السعدون" انطلاقا من الطابق الأرضي للعمارة الشهيرة،  كانت هناك "مكتبة المثنّى" التي تأسست عبر مقرها الأصلي في " شارع المتنبي" في العام 1936، وحرص صاحبها قاسم محمد الرجب، على ان تكون منبر نشر أمهات كتب التراث، فضلا عن كونها مصدرا لتزويد الكثير من مكتبات البلاد بما تحتاجه من كتب الدراسات التاريخية والسياسية والفكرية.
وإذا كان الطرف السابق من " شارع السعدون" الذي يبدأ من " مدرسة الراهبات" التي حولها نظام البعث إلى "ثانوية العقيدة"، قد توفر على ملمحي الاسترخاء الفكري( المكتبات)  والجسدي ( كافتيريا "كيت كات" ومن ثم محل حلويات جواد الشكرجي وقريبا منها "مطعم نزار" الشهير)، فان الطرف الثاني كان يحاكي هذين الملمحين وان بدرجة اقل، فالاسترخاء الروحي يمثله وجود  "مكتبة المثنى" و "جامع الأورفلي" فيما الاسترخاء الجسدي كان يوفره "مطعم تاجران"، ومطعمان صغيران في شارع فرعي من شوارع البتاوين أولهما كان يقدم الأكلات الفلسطينية وابرزها الفول والحمص والقدسية واغلب رواده من طلبة الجامعة، والثاني كان يقدم " الكباب السوري" ويؤمه أصحاب المحال التجارية وحرفيو المنطقة القادرون على دفع ثمن الوجبة التي تزيد على الدينار أواخر سبعينات القرن الماضي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

مقالات ذات صلة

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي
عام

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

د. نادية هناويإنَّ الإبداع أمر عام لا يختص بأدب دون أدب ولا يكون لأمة بعينها دون غيرها كما لا يؤثر فيه تفوق مادي أو تقدم حضاري، بل الآداب تأخذ وتعطي ولا يهم إن كان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram