يبدو أن الخبر صحيح، فما من نفي أو تكذيب له بعد أيام عدة من شيوعه. انه خبر التصريح المنسوب إلى "مرجع ديني كبير" (مقيم خارج البلاد) أفتى فيه بحرمة انتخاب المرشحين العلمانيين في الانتخابات البرلمانية الوشيكة.
وعلى أية حال فان تصريحاً كهذا ليس بالأمر الغريب. عشية الانتخابات البرلمانية والمحلية السابقة كانت قد صدرت "فتاوى" من هذا النوع من رجال دين مختلفي المستوى، وفي العام الماضي انتشر شريط فيديو (محفوظ ومتاح في موقع التواصل الاجتماعي: يوتيوب) يظهر فيه رجل دين من الدرجة الخامسة أو السادسة أو حتى العاشرة (روزخون) وهو يحضّ المستمعين اليه في حسينية أو مسجد على انتخاب "ممثلي المذهب" حتى لو كانوا سيئي السيرة والسلوك، مبرراً ذلك بان "المذهب في خطر" وان المهم انتخاب المرشحين وفقاً لهويتهم الطائفية. كان ذلك عشية انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة.
الروزخون ذاك لم ينطق عن الهوى، فهو قد تتلمذ على أيدي رجال دين أعلى مرتبة منه، ولابدّ انه يعرف ان كلامه عن عدم أهمية سيرة المرشح وسلوكه بالمقارنة مع طائفيته يشاطره فيه رجال دين أعلى درجة من درجته، أو انه في الأقل (الكلام من هذا النوع) يلقى هوى لديهم.
يُفترض أن يكون المرجع الديني الكبير أكثر الناس حرصاً على سمعة المذهب، ومن المفترض ان سمعة المذهب من سمعة أهله، وهذا ما لحظنا تأكيداً مشدداً عليه، على مدار الاشهر الماضية، من كبار مراجع النجف، وفي المقدمة منهم المرجع الأعلى السيد علي السيستاني الذي ما انفك ممثلاه في كربلاء، خطيبا الجمعة، ينصحان، بل يطلبان، علناً المشاركة النشيطة في الانتخابات وعدم انتخاب سيئي السيرة والسلوك من الفاسدين والمفسدين والمتواكلين عن أداء مهمتهم التي انتخبوا اليها، وهي مهمة تشريع القوانين الماسة الحاجة اليها ومراقبة اداء السلطة التنفيذية، والتدقيق في سيرة وسلوك المرشحين الجدد للتأكد من لياقتهم لعضوية البرلمان.
دعوة أو فتوى "المرجع الكبير" بعدم انتخاب المرشحين العلمانيين تعني موضوعياً تحريضاً ضد المرشحين الوطنيين الأكفاء والنزيهين. تجربة مجلس النواب الحالي والسابق تُظهر على نحو جلي ان النواب الفاسدين والمتخلفين عن أداء مهمتهم، هم باغلبيتهم نواب متدينون، فالأغلبية من أعضاء المجلسين هم أعضاء ومناصرون للاحزاب الاسلامية (الشيعية والسنية)، فيما النواب العلمانيون، وهم الاقلية، لم يُلحظ عليهم الفساد والتواكل بالنسبة العالية التي لدى النواب الاسلاميين.
انه لأمر محيّر ألاّ يوجّه المرجع الديني الكبير اتباعه ومريديه بعدم انتخاب الفاسدين والمفسدين والفاشلين في الوفاء بوعودهم لناخبيهم وباليمين الدستورية والشرعية التي أدوها.
أي مذهب، وأي دين، يقبل بانتخاب منحرفي السيرة والسلوك؟ وأي نصرة لهذا المذهب تتأتى من سيئي السمعة والصيت؟ .. وما كُنه المذهب، أو الدين، الذي يقبل بالنائب الفاسد المتدين زوراً وبهتاناً فيما يحرّم انتخاب المرشح النزيه والكفء فقط لأنه يؤمن بفصل الدين عن الدولة، إبعاداً للدين عن وساخات العمل السياسي وتجنيباً للدولة استخدامها لأغراض التدين المزيف؟
دعوة لانتخاب الفاسدين!
[post-views]
نشر في: 5 إبريل, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو اثير
أستاذنا الفاضل ... أتمنى وأدعوا المراجع الدينية ورجال الدين من العمائم السوداء والبيضاء أن يبتعدوا عن السياسة وفنونها ودروبها أحتراما وتقديرا لهذه العمائم وألألقاب الدينية ودورها في المجتمع وليكن دورهم أرشادي تربوي . هل سمعت يوما أن تدخل أحد الحاخامات في