بريطانيا هي الدولة الديمقراطية الأولى في العصر الحديث، تجري فيها الانتخابات سنوياً تقريباً (الانتخابات البرلمانية كل أربع سنوات وكذا المحلية وانتخابات البرلمان الاوروبي. وكثيراً ما تُنظّم فيها أيضاً انتخابات الإعادة لاختيار بدلاء عن المتوفين أو المستقيلين أو المكلفين بمهام تتعارض مع مهامهم التمثيلية).
في بريطانيا محظور على المترشحين، بمن فيهم رئيس الحكومة الذي هو زعيم الحزب الحاكم، تنظيم دعاية انتخابية في الشوارع والساحات العامة، فلا صور ولا لافتات ولا فليكسات تُعلّق على الجدران أو أعمدة الكهرباء والتلفون، ولا أي مظهر آخر ينبئ أو يوحي بوجود عملية انتخابية. المسموح به هو تنظيم اجتماعات انتخابية في أماكن مغلقة. ومحطات التلفزيون، وبخاصة بي بي سي، تمنح فرصاً محدودة، ومتساوية للغاية في وقتها، لزعماء الاحزاب المشاركة في الانتخابات للتحدث الى الناخبين عن البرامج الانتخابية لاحزابهم.
مع هذا فان البريطانيين يتعرفون على نحو جيد على المترشحين في الأسابيع القليلة التي تسبق موعد الانتخابات، فالبريد يحمل اليهم في بيوتهم، في مظاريف أنيقة، منشورات حزبية تتضمن برنامج كل حزب من الاحزاب المتنافسة، وتعريفاً بمرشحيه، واستمارة تدعو للانتماء إلى الحزب اذا كان برنامجه مثيرا للاهتمام، واستمارة أخرى للتبرع للحزب.
نعم هذا كل شيء في الدعاية الانتخابية في بريطانيا وسواها من الديمقراطيات العريقة، وهو مخالف لما يجري عندنا، حيث تتحول شوارعنا وساحاتنا العامة الى أسواق هرج تضج على نحو مزعج للغاية بصور المترشحين ولافتاتهم التي ما تلبث ان تزيد من تشويه مدننا المشوّهة في الأصل.
المترشحون الى انتخاباتنا وأحزابهم لا يعنيهم، في ما يبدو، ان يقدموا الى الناخبين برامج يصوّت لها الناس وينتخبونهم من أجلها.. انهم يهتمون بمظهرهم.. صور ملونة مشغولة على الفوتوشوب لتحسين أشكال المترشحين، وشعارات براقة تتكرر كل انتخابات ولا يتحقق منها شيء.
في الدول الديمقراطية المتقدمة تهتم الأحزاب والجماعات السياسية بعقول الناس وتتسابق لبلوغها، بخلاف احزابنا وكتلنا السياسية التي تركّز في اهتمامها على العواطف، فتطلق الوعود ولا شيء غيرها.. حتى الاحزاب والكتل التي أعلنت عن برامج سياسية واقتصادية واجتماعية قبل بدء الحملة الانتخابية، نسيت في ما يبدو هذه البرامج، فلا تعريف بها ولا مقتطفات منها.
باختصار ان أحزابنا وكتلنا السياسية تريد للناخبين أن يذهبوا إلى مراكز الاقتراع صماً بكماً عميا لا يفقهون، ويصوتون لصالح الهويات الدينية والطائفية والقومية والقبلية.
باختصار أشد، اننا بهذا لا نشكّل نظاماً ديمقراطياً ولا نبني مجتمعاً ديمقراطياً ولا نؤسس لدولة ديمقراطية.
صم بكم عمي!
[post-views]
نشر في: 8 إبريل, 2014: 06:42 م