تعددت الإجابات ولكن الشغف بكتب التاريخ واحد وقليلة هي المرات التي لا تجد أشخاصا لا يهتمون بالحوادث الماضية وشخوصها ، فمنهم من يريد بناء مستقبل أفضل بالاعتماد على تجربة الماضي وآخرون يريدون معرفة حقيقة اللبس الحاصل في عاديات الزمان ،وفئة تريد ان
تعددت الإجابات ولكن الشغف بكتب التاريخ واحد وقليلة هي المرات التي لا تجد أشخاصا لا يهتمون بالحوادث الماضية وشخوصها ، فمنهم من يريد بناء مستقبل أفضل بالاعتماد على تجربة الماضي وآخرون يريدون معرفة حقيقة اللبس الحاصل في عاديات الزمان ،وفئة تريد ان تعقد مقارنات مستمرة بين أوضاع اليوم وما كانت عليه قبل نصف قرن أو حتى عدة قرون ،وآخرون يصورون الرجوع إلى الماضي بانه هروب من أوضاع خانقة ،وجميع هذه الأسباب تصب في صالح نتيجة واحدة ان كتب التاريخ تلقى رواجاً في جميع دورات المعرض ومنها الدورة الحالية لمعرض أربيل .
ويشدد مسؤول جناح دار الساقي اللبنانية جبران أبو جودة على ان العودة إلى الماضي ضرورة لابد منها في تطوير كل العلوم والأبحاث والدراسات وهو مايقوم به الطلبة والباحثون بمختلف مستوياتهم والذين لا بد لهم من الاستعانة بالماضي وتفاصيله لاستكمال بحوثهم وإكمالها على الوجه الصحيح ، مؤكداً انه لا يمكن الاستغناء بأي شكل من الأشكال عن المصادر التاريخية باختلاف أنواعها ومواضيعها .
وفي رأي مقارب لما سبق فان مسؤول قسم دار أرسلان السورية خالد أمين يرى ان الزيارات المستمرة والدورية للتاريخ هي ضرورة لابد منها لمزيد من الاكتشافات والاختراعات أو حتى تطوير الموجود حالياً ، مبيناً ان العلوم جميعها لها جذور وبدايات لابد من الاطلاع عليها لتحسين مستوى الحياة البشرية والارتقاء بها .
ويضيف أمين في حديث إلى (المدى) ان التعرف على التاريخ مطلوب بجميع تفاصيله الحلوة والمرة ويستشهد على ذلك بالطلب والمبيعات التي تحققها (موسوعة الحرب العالمية الأولى والثانية ) برغم كل المآسي التي شابت تلك الحربين ومضيفاً في الوقت ذاته بان الجوانب المزدهرة التي تضمها كتب مثل (عظمة بابل) و( عظمة آشور) تجعل الطلب عليها أيضاً مرتفعاً.
ويؤكد المشرف على جناح (مركز دراسات الوحدة العربية) خالد الدعيس ان الحقيقة الثابتة لدى معظم دور وشركات النشر ان كتب التاريخ لا تموت ولا تخسر مادياً ،لأن الطلب والإقبال عليها غير محدد في زمن معين أو حقبة وقتية خاصة ، موضحاً بان الدول والمناطق تختلف في طبيعة الفترات التاريخية التي يتم الإقبال عليها.
ويتابع الدعيس انه في الوقت الذي يكون الطلب على الفترتين الأموية والعباسية في العراق فإن الطلب في دول الخليج هو على مرحلة الدولة العثمانية وكذلك فإن المتغيرات السياسية تلقي بظلالها على طبيعة الحقبة التاريخية المطلوبة وهو ما يحدث بعد ثورات الربيع العربي حيث نرى الطلب تعاظم على كتب تاريخ الفترة الملكية في عموم المنطقة .
ويستشهد الدعيس على كلامه بوجود الطلب على الكتب التاريخية بوشوك نفاد معظم تلك الكتب في جناحه والتي قال إنها لن يبقى منها نسخة واحدة في نهاية المعرض ، فيما يلفت النظر إلى ان الطلب على الفترات المظلمة مثل الحروب الأهلية التي حصلت في لبنان والعراق ليست مطلوبة جداً في وقت تسجل كتب المناسبات السعيدة والفترات المزدهرة طلباً عالياً .
ويبدو الأستاذ كمال الحمامي أكثر تمسكاً بمبدأ ان الحنين إلى الماضي الجميل هو المحرك الأساسي للطلب على كتب الماضي من اجل عقد المقارنات بين واقع يرى فيه الكثيرون بأنه مأساوي ومجهول النهاية وتشوبه مشاكل التدهور الأمني والتناحر التداخلي والغلاء وضعف النسيج الاجتماعي ،وآخرون يؤكدون انه كان أكثر استقراراً وبساطة ورخاء وسجل النسيج الاجتماعي تماسكا كبيرا وتسامحا.
ويرى الحمامي ان البعض يرون في الزمن الجميل هو في وقت الملكية في معظم دول المنطقة وان المشاكل انطلقت منذ أول تدخل عسكري واستلاب للسلطة بواسطتها ، مبيناً انه شخصياً يحن إلى فترة الملكية ويريد اقتناء ومشاهدة كل شيء يتعلق بتلك الفترة واعتبره متنفساً لي من الحقب التي جاءت بعد تلك الفترة .
ويرغب الأستاذ أيمن خليل الجاف في تحويل مسار الحديث عن كتب الحوادث التاريخية إلى كتب السيرة الشخصية التي تندرج ضمن قسم الكتب التاريخية ولها جمهورها الواسع والكبير الذي يريدون معرفة كل شيء عن هذه الشخصية سواء كانت محلية أو أجنبية أو دينية أو سياسية أو محافظة أو إصلاحية أو غيرها من كل الاتجاهات والمشارب .
ويقول الجاف في دردشة مع (المدى) على أبواب الخروج من معرض أربيل انه يحرص على اقتناء تلك الكتب ولكن بفارق عن غيرة ،فهو لا يأتي وفي ذهنه شخصية واحدة أو مجموعة محددة ينحاز إليها ولكنه يقتني أي كتاب سيرة شخصية ويريد معرفة كل شيء عن الرموز التي ساهمت في صنع التاريخ وشاركت في تغيير مجراه .
ويهاجم الجاف بكل قوة الذين يريدون الابتعاد عن الماضي ويرغبون بالتجرد منه بدعوى التحضر والمدنية والرغبة بنبذ التاريخ بكل سلبياته والمآسي التي حصلت فيه ، مشيراً إلى ان أرقى الشعوب وأكثر الأمم تطوراً تعتز بتاريخها وتعترف بالسلبيات الموجودة فيه، ولكنها لا تسعى إلى تحريفه أو التزوير فيه ،لأنه معروف للجميع والعبرة في العمل على تصحيحه والاستفادة منه في بناء حاضر جميل ومستقبل أجمل .