اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ماذا يقرأ ساستنا ؟

ماذا يقرأ ساستنا ؟

نشر في: 9 إبريل, 2014: 09:01 م

في كل مرة ازور فيها معرض أربيل للكتاب اسأل نفسي  سؤالا واحدا ، وانا انظر إلى الكتب التي تغصّ بها قاعات المعرض :  كيف يمكن قراءة كل هذه الكتب ، وأتذكر ما قاله  الروائي "لورنس" لأحد زواره  "بعض الكتب وجد لكي يذاق وبعضها لكي يُبتلع والقليل منها لكي يُمضغ ويُهضم ، بالأمس خيل لي وانا أتجول بين ممرات المعرض و كأنني أجوب  شوارع روما، أو اقطع المسافات بين بيوت  جزيرة كوبا بحثا عن صاحب "الشمس تشرق ثانية" ، وان سقراط سوف يطل في أية لحظة بردائه الطويل ليقول لي: "لا يمكن زوال تعاسة الدول ما لم يتمتع حكامها بفضيلة  التواضع " ، وان سيمون دي بوفوار ستخرج من صفحات روايتها "المثقفون" لتعيد على مسامعي درس الحرية الذي قال فيه البير كامو لسارتر ذات ليلة "لا يمكن للإنسان العاقل ان يختار العيش في قفص، إلا إذا أراد أن يربط مصيره بآيديولوجيات ميتة" فيما سارتر ينظر الى وجه صديقه اللدود الشبيه بوجوه نجوم السينما ليعيد على مسامعه درس المثقف الملتزم : "لا يمكن للمثقف ان يحاكم عصره دون الخوض في أوحاله."
وقبل ان أفيق من رحلة الخيال انتبهت على صوت  احد زوار المعرض  وهو يحدث زميلا له : هل تصدق، أنا الرجل الذي قضى عمره يتنقل من شوبنهور إلى طه حسين، لا أفهم  بماذا "يرطن" ساستنا.. ضحك وهو يكمل حديثة: معظم المسؤولين ومعهم الحكومة لا يرون  البسطاء من أمثالنا، إلا في الانتخابات.. قال إن رحلته مع  الديمقراطية  بدأت عام 2003 رغم أن عمرة الآن تجاوز الستين.. كان يدرك أن نظام صدام تعامل مع الوطن  على أنه عدّاد سيارة أجرة لا يعمل إلا  لصالحه.. ضحك  صاحبه  وتركه  يكمل :  في الانتخابات الأخيرة  توهمت أن العدّاد سيكون نزيها.. وأن الناس ستحظى للمرة الأولى  في حياتها  بمسؤول من لحم ودم.. تستطيع أن تراه متى شاءت.. فقد مللنا من المسؤول الذي  يخرج بين الحين والآخر من على شاشات الفضائيات ليذكرنا بأنه  "المنقذ".. ثم مد يده وتناول كتابا من على احد الرفوف : انظر إلى هذا الكتاب وأشار بيده إلى كتاب "خطابات السلطة".. اقرأ ماذا يقول فيلسوف بحجم جان لوك من أن " الحاكم هو الذي يحقق نفعاً مستقبلياً للناس " ، لا نريد مسؤولاً يتفقد الناس في منتصف الليالي  ويترك لهم على عتبة الباب حفنة من الدنانير، وعشاء من "صاج الريف".. نريد  مسؤولا  يدرك جيدا أن الانتخابات القادمة ربما لن تأتي به.. ثم راح الرجل وبحماسة يضرب الأمثال قائلاً لصاحبة :  هل تعرف الكاتب المسرحي  فاستاف هافال  ، وقبل أن يجيب الآخر  بنعم اكمل الرجل  حديثه :  هذا الرجل عاش حياته من أجل هدف واحد هو أن لا يأتي بأية خطوة خاطئة تثير حفيظة الناس وتزعجهم.. وأشار إلى كتاب يضم عدداً من مسرحيات الرئيس التشيكي..  قائلا: في هذا المجلد الصغير ستجد كلمات من نوعية: " لقد آمنت طوال حياتي، بأن ما يعمل لا يمكن العودة عنه أبدا، وأن كل شيء يبقى إلى الأبد. فالوجود له ذاكرة. وبالتالي فإن حياتي الضعيفة ، كطفل برجوازي، كمساعد عامل، كجندي، كرئيس، كمتقاعد.. حياتي هذه سوف تبقى هنا إلى الأبد. شاهدا على ما حاولت ان اقدمه للناس "
تعال يا عزيزي واقرأ ما كتبه باني الهند الحديثة نهرو عن  سياسيي الإثارة والتهريج، يمد يده ليفتح كتاب " لمحات من تاريخ العالم  " ليقرأ بصوت عال ":  "كانت خطب القادة الفاشيين  انفجارية تهديدية، يبدو أصحابها  دائما في حالة تحدٍ ودعوات للنزال  ".. من سيفهم أن الخطب والشعارات لا تبني بلداناً.. وأن كل مشاكل العراق لن تحل بمجرد الإيمان بأن مسؤولينا "حجاج" وضربوا ارقاماً قياسية في عدد "العمرات".
تركت الرجل يتحدث  ، وأخذت انظر  من جديد إلى رفوف الكتب وأعيد السؤال على نفسي : ترى كيف سيكون شكل العالم لو لم يكتب فيه ديكنز روايته "الآمال العظيمة"، ولم يحول فيه المتنبي الشعر إلى نصوص في الحكم، ، ماذا لو لم يأخذنا جويس في رحلة يوليسيس عبر شوارع دبلن، هل يمكن أن نتخيل بريطانيا من دون سؤال هاملت الأزلي: أكون أو لا أكون.
نظرت الى الرجل من بعيد ، لايزال يبث همومه  ، كنت أتمنى ان أقول له : أيها الرجل الطيب  قادة امتنا لايقرأون  ويكرهون الكتب  ، فهم  يوغلون وباسم  الديمقراطية ، بالتطرف ونهب الثروات، والانتهازية، ويمتطون التغيير  لقهر العراقيين  وإذلالهم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. مازن عباس

    لايقراؤن حتى الجرائد..واذا صادف ان قرا احدهم عمود لعلي حسين مثلا فانه يغفر فاه دهشة ون ثم يبدا بالسباب ..امس همس في اذني احدهم بان احد المرشحين تحلف امامه بالعباس بان تنتخبه ومقابل ذلك يخرج من درج مكتبه عقدا جاهزا للتعيين بعقد في الكهرباء

  2. فراس فاضل

    اخى الكاتب الكبير على حسين ---اللصوص لامجال لهم للقراءه --الكل تريد التهام العراق --منطلقين من المثل العراقى السخيف --الرجال يعبى سكله ركى ---تحياتى

ملحق منارات

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: نواب يسخرون من الشعب

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

مأساة علاقات بغداد وأربيل..استعصاء التجانس واستحالة التفارق

العمودالثامن: شجاعة نائبات

 علي حسين إذا كنت مثلي مجبراً رغم أنفك، على سماع أخبار هذه البلاد العجيبة، فإن هناك جيشاً قوامه العشرات من المدونين ، يشن حملة ضد محامية ذنبها الوحيد أنها دافعت عن قانون الأحوال...
علي حسين

قناطر: الشعر هو ما يجعلنا نحلم

 طالب عبد العزيز قليلاً ما أكتب الشعر في الصيف، بل هو لا يأتيني فيه، فأنا أكره الحرَّ والشمس اللاهبة، ذلك لأنني رجل شتوي بامتياز، أحبُّ البرد والرياح القارصة والمطر والثلوج، ولا أجمل من...
طالب عبد العزيز

فلسفة الحكم في العراق

محمد حميد رشيد الحكم في العراق مبني على شعارات مجردة وفرضيات مبهمة وعواطف ملتهبة وعلى قواعد عامة لا تكفي أن تكون نظام لتسيير مؤسسة صغيرة وليست دولة كبيرة. وهناك من يقول ان الدستور هو...
محمد حميد رشيد

العراق: أحوال شخصية ام تكريس لظاهرة السلطة الموازية؟

حارث حسن واجهت معظم الدول الإسلامية الحديثة إشكالية التناقض بين مبادئ وأحكام الفقه الإسلامي (الذي يستخدم خطأً باعتباره مطابق للشريعة)، وبين المبادئ التي تقوم عليها الدولة الحديثة. يتعلق الأمر بمسألة شرعية هذه الدولة، والتي...
حارث حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram