بات مؤكداً أن الصراع في سوريا وعليها سيستمر لسنوات قادمة يدفع فيها المواطنون مزيداً من الأثمان الباهظة ما يستدعي وضع مقاربات جديدة للتعاطي مع هذا الملف المتفجر سواء من دول الإقليم المنخرطة في الصراع أو الدول الكبرى التي لن تنجو من بعض مآلاته، صحيح أن العالم لا يقف متفرجاً وأن عواصم الغرب تشهد اجتماعات مكثفة شارك فيها بعض العرب لمراجعة المواقف بعد فشل جنيف الثاني الذي استهدف على ما يبدو الاستمرار بالتراشق التفاوضي في جنيف والعمل على عقد مؤتمر دولي للبحث عن حل، غير أن ما حدث هناك وما تلاه من تفجر الأزمة الأوكرانية التي أحيت رميم عظام الحرب الباردة له فاقمت من تفكك التفاهم الأميركي الروسي الهش وبدأ ذلك واضحاً في تباطؤ عملية التخلص من السلاح الكيماوي ما يثير عديد الأسئلة حول جدوى كل السياسات التي عبثت بالأزمة السورية.
تتحول سوريا تحت نظر العالم اليوم إلى حاضنة للإرهاب ومولدة ومصدرة له وليس سراً أن أجهزة الأمن الغربية تتابع بقلق خشية التعرض لعمليات إرهابية تنطلق من سوريا، ما دفع للسير في واحد من طريقين أولهما توليد شكل من التعاون الأمني مع دمشق يترافق مع بعض التسخين لملف التمثيل الديبلوماسي، وذلك واحد من شروط النظام للتعاون والطريق الثاني مختلف ومتضاد مع هذا على قاعدة أن النظام فقد شرعيته وليس منطقياً التعامل معه، خصوصاً وان ذلك النظام هو من فتح أبواب سوريا "للجهاديين"، ما يدعو للمضي في محاولة البحث عن تسوية سياسية تبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالية بين النظام والمعارضة تفضي إلى انتهاء حكم الأسد، غير أن مثل هذا الحل يصطدم برفض دمشق التي تراهن على استمرار دعم ايران وروسيا بكل الوسائل ما يتيح إجراء انتخابات رئاسية يفوز بها الأسد بكل تأكيد.
عسكرياً تواصل قوات النظام "انتصاراتها" فيما تتخبط قوى المعارضة المسلحة وتخوض معارك بينية تصب نتائجها في مصلحة حماة الديار فيما المعارضة السياسية تواجه تحديات ليست مؤهلة لمجابهتها إما لقلة الخبرة أو نتيجة صراع أقطابها على جلد الدب قبل اصطياده، ونتيجة لهذا الواقع فإن "أصدقاء الشعب السوري" يعملون على إيذاء النظام بدل إسقاطه ودعم المعارضة لمنع انتصار النظام وليس لانتصارها، عبر زيادة تزويدها بأسلحة غير نوعية ما يعني الاستمرار في القتال على عدة جبهات دون الوصول إلى مرحلة الحسم النهائي، وبحيث يتم استنزاف قوة النظام والقوى الداعمة له ولكن دون السماح للقوى الإسلامية المتشددة بالسيطرة الكاملة وأيضا منع النظام من الاستمرار كما كان عليه الحال قبل أكثر من ثلاث سنوات.
إلى أين يقود هذا غير تفكيك الدولة السورية؟ وبحيث تترسخ سيطرة النظام على المناطق الممتدة من دمشق إلى الساحل بما فيها حمص التي تخوض اليوم آخر معاركها فيما تسيطر بعض قوى المعارضة على بؤر متفرقة دون رابط بينها، ويتمتع الكرد بشيء من الاستقلال الناقص لا يرقى إلى مرتبة الإقليم، ما يعني أن سوريا تسير على نفس خطى من سبقها في السودان وليبيا والعراق إلى حد ما، يعني ذلك موت الدولة المركزية وللحيلولة دون الوصول إلى ذلك يتمسك النظام بجميع أساليبه القديمة في المناطق الخاضعة لسيطرته، وهكذا تسعى الدول الإقليمية والكبرى لبناء مناطق نفوذ لها في السياسة السورية من خلال دعم الحلفاء على أسس طائفية أو دينية أو عرقية.
لا نبشر بانتهاء الدولة السورية التي عرفناها لكن كل المؤشرات تقود إلى ذلك ونحن نقول على السوريين السلام.
على السوريين السلام
[post-views]
نشر في: 11 إبريل, 2014: 09:01 م