TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سعادات المدى والناس

سعادات المدى والناس

نشر في: 12 إبريل, 2014: 09:01 م

اختتم معرض أربيل للكتاب اعماله السبت. مهرجان النشر والأوراق والكتب الذي تنظمه المدى، فرصة للتواصل لا مع ما ينتجه العرب والاكراد ويترجمونه وحسب، بل اتاح لي وللزملاء، التماس مع قارئ مثالي، تختلف او تتفق معه، لكنه يحاول الهرب من سياسة الانفعال والارتجال "الماحقة الحالقة"، و"إجالة النظر بترو" فيما تبقى لنا من التاريخ غير المضيع.
هنا لا تدري، هل اربيل محظوظة بـ"المدى" التي توظف خبراتها الثقافية لتبتكر هذا الحدث العراقي الكبير. ام ان المدى محظوظة كما نحن، بالعثور على فرصة كهذه، تتقاطع خلالها الاصوات على شكل حجاج عقلي وتبادل مثمر، وتكاد تنسيك أسوأ ما في سياستنا، لتدير رأسك ثانية نحو طعم المعرفة الابهى وكأسها المعلى وبياض البراءة بين سواد النقوش والخطوط!
الجميع هنا، يبحثون عن جديد سوق النشر، ونازحو الانبار المقيمون في مناطق كردستان، يأتون بشبابهم ليتسلون بالقراءة عن مدن عالقة في اكثر المصائر غموضاً وعجزاً.
اهل الموصل المحاذية، يثيرون نقاشاً حول "وطن يباع بصك غبي مرة كل ثلاثين سنة".
ناشرون من سوريا احاول ان اواسيهم ببضع كلمات على حرائق غابات الزيتون، فيغنون لي "جاي فرح.. ليغير حالنا."
مثقفونا المغتربون، جاؤوا ليوقعوا قصائد لاتينية ترجموها، وأيضا ليلتقوا بأهليهم، فقد تعذرت زيارة مسقط الرأس الذي يبعد عن أربيل ساعة ونصف بسبب الحرب بين داعش والجميع!
الاسلاميون يشترون كتب الحديث والسيرة والفقه، ويجادلون حول شكل الوطن، دون ان ينكروا ان الصيغة التي تقترحها اربيل للتعايش، قابلة للتطوير، وقابلة للجمع بين الاراء المتصارعة جنوباً. يحاججونك بآراء متشددة، فتأخذهم الى سعة عبارة ابن رشد، او حسن نثر الجاحظ بشجاعة المعتزلة، فيتذكر الجميع ان الاجداد لم يكونوا كلهم على شاكلة واحدة، وأن التنوع الذي قاتلوا لشرعنته طيلة قرون، سيبقى مشروعاً لنا ايضا، كحق لنا ولهم، لن نتنازل عنه.
وبخلاف من يعتبر "المدى" وجريدتها وباقي اذرعها الثقافية والصحفية، جهة تشاغب وتمارس "الشقاوة" وتكرس جهدها "ضد رجل واحد"، فإن القراء متنوعي المشارب، الذين التقيتهم خلال ١٠ ايام هي مدة عرس الكتاب، كانوا يجدون في المدى، الداعية البارزة الى التصالح بين الاطراف المتصارعة، وصوت الاعتدال الذي يشجع الجميع، على المراجعة الجادة للارتجال والتسرع، والتمسك بـ"اجالة النظر والتروي" في تصميم الحلول، والاعتراف بأننا بحاجة الى اعترافات كبيرة، ليس الهدف منها ان نستسلم لداعش ولا لأي صوت متطرف، بل لكي نخوض حرب العقلاء على الحمق، ونتجنب العلوق في صراع بين اطراف مجنونة.
حتى ممثل حزب الفضيلة، والذي حصل بينه وبين المثقفين ما حصل، طيلة سنوات، وتعرض الى استجواب شديد من قبل الحضور في ندوة حول قانون الاحوال الجعفرية، شكر المدى، لانها اتاحت لوجهات نظر متعددة ان تعبر عن نفسها.
سألتني صحفية من محطة اوربية جاءت لتغطية نشاطات المعرض، عن دور المثقف "العلماني" في العراق. فأجبتها اننا "الاقل حظاً" ربما في التمثيل السياسي اليوم، لكننا لن نندم على رسالة مهمة حملناها بين صفوف المتصارعين وتشددهم. وطوال اعوام سبقت سقوط صدام حسين، واتصلت بأحلك ليالي العهد الجديد، بقينا متمسكين بأن عقيدة التسامح والتعايش والتبشير بالحداثة السياسية والمجتمعية، ليست نقص شجاعة، واستخدمنا كل فنون القول لنحاول تذكير الناس بأن حمل السلاح ليس الميزة الوحيدة للفرسان، ففضيلة السيف انه يدافع عن الحكمة والتعقل، وحين تنام العقول وتتبلد، تفسد كل السيوف وتصبح بلا جدوى. قلت للافرنجية: ان هذا دور لن نمل من الايفاء به، وليس بلا طائل، فكلما تصاعد الحمق، استطاع الناس ادراك اهمية التعقل، وتزايد انصار الاصلاح، وهذه سعادات بلا نهاية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram