يولد الإنسان مطبوعاً على غرائز ونزعات ورغبات تتحكم في أفعاله، منها ما يمكن أن يُكبح بالإرادة، وأخرى غير إرادية بالمطلق. بعد الصرخة الأولى للوليد المصاحبة للشهيق القوي كي تمتلئ الرئتان بالهواء الخارجي، يصير الصراخ تعبيراً عن حاجاته واحتجاجاته المختلفة
يولد الإنسان مطبوعاً على غرائز ونزعات ورغبات تتحكم في أفعاله، منها ما يمكن أن يُكبح بالإرادة، وأخرى غير إرادية بالمطلق. بعد الصرخة الأولى للوليد المصاحبة للشهيق القوي كي تمتلئ الرئتان بالهواء الخارجي، يصير الصراخ تعبيراً عن حاجاته واحتجاجاته المختلفة. يصرخ الوليد إذا جاع أو عطش، ويصمت بمجرد أن يستدل على حلمة ثدي أمه فيلقمها ويشرع في الرضاعة بشكل تلقائي، فلا يوقفه إلاّ الشبع. كما يصرخ إذا شعر بألم البرد أو الحر، ويصرخ إذا شعر بالخوف والفزع، وإذا بلل نفسه بقضاء الحاجة؛ كل ذلك ينزع إليه بالفطرة التي ولد عليها، لا يحتاج في ذلك إلى معلم أو مدرب، فإذا كبر الإنسان نمت معه تلك الغرائز، وتدخلت الإرادة والعقل في التحكم فيها، فينظم مواقيت نومه وطعامه وشرابه، وعرف كيف يلبي حاجاته بنفسه ويقي نفسه عوامل الطبيعة المناوئة.
أما تدخين التبغ، وشرب المنبهات، وتعاطي الخمر والمخدرات بشتى أنواعها فليس من الحاجات التي يطلبها جسم الإنسان بالفطرة؛ والقاسم المشترك بينها أن تناولها يُعزى إلى القدوة السيئة والإعجاب والتقليد، ثم بالتدريب، ثم بالتعود.
إذا أخذنا مجموعة من الناس الذين لا يعرفون أيا من هذه العادات السيئة ووضعناهم في جزيرة نائية، فإن الجوع والعطش سيدفعهما إلى البحث عن الطعام وعن الماء، وسيتعلمون كيف يحصلون على مرادهم من البيئة المحيطة، بيد أنهم لن تتولد عندهم الرغبة في تدخين سيجارة أو في شرب كأس من الخمر، فالرغبة في هذه المفاسد لا تنشأ تلقائياً، بل يُستدرج إليها الإنسان عن طريق أطراف مستفيدة، مثل المصنعين والبائعين الذين يتربحون منها.
أكَّد بحث أجراه (المركز الوطني للإدمان وإساءة استخدام العقاقير) في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة أن مادة النيكوتين الموجودة في التبغ تحدث تغييرات كيميائية وفسيولوجية في أدمغة الشباب الذين يتعاطونها، تجعلهم أكثر عرضة للإدمان على الكحول وعلى سائر المواد المخدرة.
كما تؤكد نتائج (المسح الوطني حول أثر استخدام المخدرات على الصحة) الذي أجراه المركز نفسه على أن المدخنين يكونون أكثر عرضة للإدمان على الكحول بتسعة أضعاف؛ وأكثر عرضة بثلاثة عشر ضعفاً للإدمان على المخدرات مقارنة مع غير المدخنين.
وقد استشهد المركز بأكثر من اثنتي عشرة دراسة بحثية اكتشفت عوامل ارتباط بين تدخين السجائر والإدمان على الكحول والمخدرات؛ منها: أن النيكوتين يؤدي إلى تغيّرات في الجهاز العصبي تجعل المدخنين أكثر عرضة للإدمان على الكحول والمخدرات من غير المدخنين؛ وأنه يرفع معدلات مادة (الدوبامين) في الدماغ مما يزيد الرغبة في تناول الكحول والحاجة إلى زيادة جرعاته؛ ويؤدي إلى زيادة مستقبلات النيكوتين في الدماغ التي تعمل في الوقت نفسه كمستقبلات للكحول والمواد المخدرة مما يحفز على تعاطيها.
كما استشهد تقرير المركز بعشرات الأبحاث التي توصلت إلى أن التدخين في سن مبكرة يؤدي إلى تغيرات معقدة في الدماغ تجعل المدخنين أكثر عرضة لتعاطي الحشيش والكوكايين والهيروين. وبالمقارنة مع غير المدخنين تبيّن أن: احتمال تعاطي الخمور يزيد عند المدخنين بخمسة أضعاف على غير المدخنين؛ واحتمال تعاطي الحشيش يزيد عند المدخنين بثلاثة عشر ضعفاً؛ واحتمال تعاطي الهيروين يزيد عند المدخنين بمقدار سبعة أضعاف.
والأهم من كل ذلك أن التعود على تدخين التبغ يطبع صاحبه على إنكار أضراره ومفاسده، ذلك الإنكار يسهل عليه إنكار أضرار ومفاسد صنو التبغ من سائر المواد المخدرة. كما سيوطن التدخين صاحبه على أن تعاطي مواد لا تندرج ضمن الحاجات الأساسية المتمثلة في الغذاء والدواء؛ والإنفاق عليها بسخاء أمر طبيعي لا غبار عليه. كل ذلك في ظل الثقافة السائدة في العالم الثالث، حيث يطغى المدخنون، وتغيب النظم واللوائح التي تستهجن التدخين وتحاربه وتحد من تفشيه.
