rnrnأحمد علي الزين: طالما عشرون ألف ميل بين الغصن والطائر، بين السنبلة والسنبلة سأجعل كلماتي مزدحمةً كأسنان مصابة بالكزاز، وعناويني طويلةً ومتشابكةً كقرون الوعل، ولكن بعض الكلمات زرقاء أكثـر مما يجب صعبةٌ وجامحةٌ. هذا الرجل المنهدم على كنبته الذي يصغي إلى فيروز، لكي تصل إليه في مخابيه القديمة أو في سجونه أو في حريته عليك أن تستعين بشعره بجنونه أو بصفائه، بغيومه أو بفرحه، بأحزانه بسخريته بحكمته بصَمْته وصَخبه، ولكي تعرفه أكثـر رَدّد معه قصيدة السائح مثلاً:rnrn(ضع منديلك الأبيض على الرصيف واجلس إلى جانبي تحت ضَوْء المطر الحنون لأبوح لك بسرّ خطيراصرف أدلاءك ومرشديك وألق إلى الوحل أو إلى النار بكل ما كتبت من حواشي وانطباعات إن أي فلاّح عجوز يروي لك في بيتين من العتابا كل تاريخ الشرق وهو يدرّج لفَّافَته أمام خيمته).rnrn
rn rn rnأحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف ولكنني أحب الرصيف أكثر، أحب الغابات والمروج اللانهائية ولكنني أحب الخريف أكثر، أحب الشهيق والزفير ورياضة الصباح ولكنني أحب السعال والدخان أكثر. rn* أحمد علي الزين: كم سنة صرلك بتدخن أستاذ محمد؟‌rn- محمد الماغوط: من زمن خلقتي..rn* أحمد علي الزين: من خلقتك.. خلقت إنت والسيجارة، يعني ما وقفت الدخان أبداً؟rn- محمد الماغوط:أنا بعرف.. وقفت بسجن المزة مرغماً..أحمد علي الزين: بسجن المزة مرغماً..محمد الماغوط: مرغماً بالـ 55..أحمد علي الزين: يعني ما كانوا يجيبولك دخان؟؟محمد الماغوط: لأ ممنوع..كان السيجارة أردأ نوع من الدخان يعني يهربونه لنا تهريب براتب الواحد كنت آخذ ثماني ليرات بالشهر أنا، كنت إدفعهن حق السيجارة..أحمد علي الزين: نعم.. نعم.. بتقول بكتاب سياف الزهور: (كل الرياح والعواصف والدموع والأحلام والكوابيس والمناحات خرجت من دفاتري ولا أزال في الصفحة الأولى)، مزبوط بتقول هالشي؟ محمد الماغوط: ايه. أحمد علي الزي?: يعني هل أنت إلى هذا الحد الفجائعي مُثْقَل بالانكسار والأحزان؟محمد الماغوط: مو.. قصة لا نصر ولا هزيمة، قصة أنا ما بعرف أعمل شي في العالم إلا الكتابة أو التفكير بالكتابة، أما نتائج المعارك أو المعركة ما بتعنيلي شي.. يعني ما.. ربحت أو خسرت..ما..أحمد علي الزين: نعم.. طيب ليش ما بتحسّ، عندك هالإحساس لم تزل في الصفحة الأولى رغم هالتجربة التي أشرفت على ستين سنة تقريباً؟rn- محمد الماغوط: ما بعرف..هذا إحساسي..أحمد علي الزين: نعم.. طيب محمد الماغوط منذ يعني حوالي خمس سنين لازمت هذا البيت، لم تخرج على الإطلاق.. لم تخرج على الإطلاق يعني وعشت..محمد الماغوط: إي.. إي لازمت.. أربع سنين..إي.. إي..rnrnغدر وخمرrnrn* أحمد علي الزين: أربع سنين.. وعشت نوع من العزلة يعني شو سبب هالانقطاع عن الحياة عن الخارج؟محمد الماغوط: صُدمت بأحد أعز الناس إلي صدمة قوية كتير، أنا متعوّد على الصدمات، لكن هيّ كانت مثل ما بيقولوا بمسرحية خالد الشرم: (القشة التي قسمت ظهر البعير) فقعدت.. لكن .. وأدمنت على الكحول إدمان غير طبيعي يعني و..و.. أحمد علي الزين: يعني أحد.. أحد الأصدقاء ارتكب خيانة بحقك؟محمد الماغوط: ايه ايه. أحمد علي الزين: فينا نعرف مين؟ محمد الماغوط: ما بدي سمّيه معليش.. ‌أحمد علي الزين: يعني كتار الأصدقاء اللي خانوا محمد الماغ?ط؟محمد الماغوط: لأ هذا يعني كتار لكن في منهم خيانة ومش خيانة شايف كيف، اللي غدروا فيي ما بحب كلمة خيانة غدر، الخيانة تقيلة يعني، اللي غدروا فيي كتار.. بنسب متفاوتة.أحمد علي الزين: وشو عملت خلال الخمس سنين بالبيت؟محمد الماغوط: أول شي ما آكل شي.. شرب، اشرب ودخّن.. اشرب ودخّن، لكن في عندي شي أنا ما بمشي بخطط, عمري ما عملت خطة شايف كيف؟ مالي رجل خطط ولذلك كنت أفشل عسكري بحياتي في الجيش يعني, وما بحب النصائح، بكره حدا ينصحني، وبكره أنصح حدا rnبعدين عندي ابن أختي طبيب, صار مقيم معي, أقام معي هون, أحمد علي الزين: صار يقدملك نصائح ..محمد الماغوط: لأ, مو نصائح, لأ, نصائح عملية وبلشت يبقى بهديك الفترة اللي بيذكر لي مجرد ذكر: شعر مسرح كذا، لكن حتى فيروز ما كنت أسمع..أحمد علي الزين: يعني مع أنك أنت من محبي فيروز يعني..rn- محمد الماغوط: إي.. إي..أحمد علي الزين: يعني إلى هذا الحد كان القصة مريرة عليك؟محمد الماغوط: مجروح.. مجروح مطعون بأعماقي كنت, أحمد علي الزين: هذا الرجل النسر العتيق, الذي جمع حطام الأيام, وأقام عزلته خلف جدار مليء بالصور والذكريات, تقرأ على مائدته المؤلفة من النبيذ وعقاقير الدواء والدخان, سيرة شاعر مسكون بالتمرد, هذا الرجل الذي يمنحه صوت فيروز أملاً جديداً, لكي تعرفه أكثر سل عنه رفيقة عمره آخر النساء في خيمة حزنه, تقول إنه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط, ومنذ مجموعته الأولى "حزن في ضوء القمر? وهو يحاول إيجاد بعض الكوى أو توسيع ما بين قضبان النوافذ, ليرى.. ليرى.. ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية, وذروة هذه المأساة هي في إصراره على تغيير هذا الواقع وحيداً, ولا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر, فبمقدار ما تكون الكلمة في الحلم طريقاً إلى الحرية, نجدها في الواقع طريقاً إلى السجن, ولأنها - أي الكلمة - كانت دائماً إحدى أبرز ضحايا الاضطرابات السياسية في الوطن العربي, فقد كان هذا الشاعر يرتعد هلعاً إثر كل انقلاب مرّ على الوطن, وفي إحدى هذه الانقلابات خرجت أبحث عنه كان في ضائقة وقد تجره تلك الضائقة إلى السج? أو إلى ما هو أمرّ منه، وساعدني انتقاله إلى غرفة جديدة في إخفائه عن الأنظار. غرفة صغيرة ذات سقف واطئ حشرت حشراً في إحدى المباني بحيث كان على من يعبر عتبتها أن ينحني.. ينحني وكأنه يعبر بوابة ذلك الزمان.
تركت تدخين السيجارة بسجن المزة مرغما .. أنا لست "متشائلا"، وأكره الفكر، وأ
نشر في: 26 سبتمبر, 2009: 02:15 ص