TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > محمد الماغوط في ذاكرتي

محمد الماغوط في ذاكرتي

نشر في: 26 سبتمبر, 2009: 02:19 ص

فيصل الياسري اكتب اليوم ( 2007 ) عن الشاعر محمد الماغوط بعد مرور ثلاث سنوات ونصف بالتمام على وفاته قي 3/4/2006 ، اي انني احتفي بالذكرى السنة – نصفية وليس الذكرى السنوية لوفاته فهذا اقرب الى طريقة تفكيره التي كانت تنفر من المألوف كما ترفض ان يكون معاكسا تماما .. فهو كما عرفته عن قرب , لم يكن مهادنا ولم يكن معارضا , وهو الذي كتب صراحة في كتابه ( سأخون وطني : هذيان في الرعب والحرية – 1987) كتب يقول ( يتملكني الخوف من التأييد ومن المعارضة. الخوف من الاشتراكية ومن الرأسمالية. من الرفض ومن الاعتدال. من النجاح ومن الفشل. من ق?وم الليل ومن قدوم النهار.)
لذلك كان محمد الماغوط دائم الحزن ودائم الفرح معا ، يلتهم حبوب الاسبرين باستمرار ليكافح الصداع ويدخن المالبرو بلا انقطاع ليصاب بالصداع !! وفي اخر مرة التقيته فيها قرب ساحة النجمة في دمشق كان يحمل كيسا من الورق ، يحتضنه بحرص شديد .. وكاد ان يفلت من يديه وهو يريد ان يعانقني بفرحه المعهود ، ثم قال تعال شاطرني ما في الكيس .. وفتح فوهة الكيس لأرى ما بداخله .. زجاجة نبيذ احمر ورغيف خبز افرنجي ، وعلبتا سيجاير .. وعلبة سردين او لحم مقدد !! ... ضحكنا بدون سبب وسرنا باتجاه الصالحية وصار يتذكر سهراتنا الطويلة قبل عشري? سنة في منزلي في ابو رمانة حيث كنا نجتمع مع بعض الاصحاب – مخرجين وممثلين وكتاب - نثرثر حول كل الموضوعات ونلعب الورق – بمبالغ بسيطة - حتى ساعة متأخرة من الليل .. وكان الماغوط ياتي ومعه كيس مثل هذا فيه زجاجة من النبيذ الاحمر من الصعب ان يسمح لاحد ان يشاركه فيها !! وكان يلعب بترو واستمتاع ، ويفكر بامعان قبل ان يلعب ، ولا يهمه الحاح الاخرين عليه ان يعجل قليلا .. كان يرد عليهم بابتسامة سمحة ونفس طويل من سيجارته التي كان لا يرميها الا بعد ان تحرق اصابعه !! ولم يكن يترك مائدة اللعب الا بعد الهاتف الثالث او الرابع?من زوجته الشاعرة سنية صالح ( توفيت بمرض السرطان عام 1985) صاحبة ديوان ( ذكر الورد ) الذي صدر بعد وفاتها بثلاث سنوات ، وكان ديوانها الاول (الزمن الضيق ) قد صدر عام 1964 وعمرها 29 سنة !! وهي شاعرة متميزة لم تاخذ حقها في الشهرة لا في حياتها ولا بعد مماتها ! اختها الكاتبة والمترجمة والناقدة خالدة سعيد والممثلة مها الصالح ، وبذا يكون محمد الماغوط عديل الشاعر علي احمد سعيد (ادونيس) والممثل اسعد فصة ... في ديوانها ( ذكر الورد) تصرخ سنية صالح تحت عنوان ( لمَ لا تصغون الي ..؟) rnأيها المقنّعون بكل ما نحب rnونكره rnلم لا تصغون إلى؟ rnلساني الثقيل سيذهلكم rnإذا ما انطلق مرة واحدة rnأيها الغامضون إذا مسستكم بسيفي rnشطرت لسانكم إلى ألف rnكل شطر يناقض الآخر. rnبوفاة سنية صالح ، فقد محمد الماغوط الزوجة والرفيقة والطفلة كما كان يصفها في احاديثه فلا يجد بعدها "طفلة" في العالم، فدوّن خسارته بكلمات قليلة كتبها على شاهدة قبرها في دمشق/ السيدة زينب: rn"هنا ترقد الشاعرة سنّية صالح، آخر طفلة في العالم. ثلاثين سنة وهي تحملني كالجندي الجريح ولم أستطع أن أحملها إلى قبرها بضع خطوات.." rnلقد عرفنا سنة صالح من خلال الماغوط عرفنا مقدار التفاني والمؤازرة والصبر والقوة التي حملها قلبها فكانت تتحمل حدة مزاجه الى جانب تحمل نتائج نقده اللاذع للانظمة العربية الشمولية فتعاضد وتساند وتؤازر الشاعر في أحلك ظروفه ( بما في ذلك السجن ) ... وهي التي كتبت بمعرفة ناضجة ومسؤولة وبقلم ينضح شقاء وحبا، مقدمة الأعمال الكاملة لزوجها" الماغوط" ورفيق دربها في الكتابة ومقارعة الحياة ...rn***rnفي الستينات والسبعينات من القرن الماضي كان الماغوط يدهشنا بتنوع انتاجه ، فبالإضافة إلى الشعر الذي بدأه بديوانه( حزن في ضوء القمر ) والمسرحية الشعرية(العصفور الاحدب) التي لم تقدم على المسرح ابدا , كتب للتلفزيون وللمسرح والسينما، ولا تقل كتاباته النثرية أهمية عن كتاباته الشعرية، وكنا نتابع باهتمام زاويته الاسبوعبة في جريدة تشرين والتي كان احيانا يكتبها امامنا ، ينعزل عن مجلسنا لساعة او اكثر عندما تأتيه الخاطرة ويضع الورق على ركبتيه ( وهي طريقته المفضلة للكتابة ولا يحب الكتابة على طاولة ) ويكتب مفكرا بكل كلمة?يخطها فهو يعرف ان الاف القراء ينتظرون ما يكتبه من لواذع فكرية سياسية ... وهو يقول عن نفسه في حديث معه قبل وفاته باشهر قليلة ( أنا من أكثر الكتّاب العرب صدقاً وبساطة، وأصل إلى الناس بسهولة عن طريق الشعر، وإن لم يكن عن هذا الطريق فليكن عن طريق المسرح أو التلفزيون أو الإذاعة وهكذا. إن دروبي عديدة للوصول إلى القارئ لأنني أعلم أن محمد الماغوط من أكثر الكتّاب الذين يقرأ لهم الناس، فالعالم العربي كله قرأ كتابي "سأخون وطني" وكان من أكثر الكتب قراءة في فلسطين والسجون "الإسرائيلية"، مع كل ذلك لو أنكرني الجميع، سأظل ?ما أنا ولن أغير أو أبدل كلمة واحدة أو أعدل في أسلوبي....) rnكان الماغوط في لقاءتنا الخاصة يسكت عندما يرى ان الحوار خرج عن المنطق والواقعية ودخل في التحليلات العاطفية .. وكان يصرخ فينا قائلا ( اسمعوا انا ضد منطق الغوغاء منذ صغري، الهزائم التي لحقت بالأمة العربية كلها بسبب غوغاء الشعارات .. لم اصفق في حياتي لشعار غوغائي وموقفي هذا اوصلني إلى السجون والقهر والجوع والتشرد ) rnفي فترة السبعينات اصدر الماغوط ديوانه ( الفرح ليس مهنتي ) ثم مسرحية ( المهرج ) التي خلط فيها ماضي الامة مع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram