ابتلينا بديناصورات حكمتنا سنين عدداً، حتى بات الناس في حيص بيص من أمرهم، أما مثقفوهم فتكاد أفكارهم انحرفت عن مسار البحث مفتوح الآفاق في مشكلات أقل عناء وتكلفة لأنها تحت إرث ثقيل، بل دامٍ، يأخذ بتلابيب اللغة لتتحول إلى مجازات ورموز، في احيان كثيرة، لدرء مخاطر الرقابة ووجوب السير تحت المطر من دون ان يبتل المفكر والكاتب والشاعر وحتى القارئ!
تلكم الديناصورات عمرت طويلاً منذ ما يسمى بمرحلة الاستقلال الوطني التي استعمرنا فيها الديناصورات بديلا عن كولونيوليات العالم التي هربت بجلدها من بلدان وشعوب عويصة غير قابلة للتفاهم حتى عجزت بريطانيا مثلا عن التفاهم مع بلد سمته "الحصان الجامح".. هو حصاننا العراقي.
تساقطت ديناصورات عدة في عالمنا، بدءاً بديناصور قريتنا الوديعة (العوجة) التي أوشكت ان تكون عاصمة العراق في زمنه!
مروراً بديناصورات تونس ومصر وليبيا والحبل على الجرار.. وإذا كان منهم من قضى نحبه فمنهم من ينتظر.. ثمة الولد الشقي بشار بن الأسد وثمة ممالك وإمارات ليست بعيدة عن الحريق، طال الزمن أم قصر، لكن المثير للاستغراب هو أن يتمسك رئيس عربي، من صنف الديناصورات، ليس بكرسي الرئاسة بل بكرسيٍّ متحرك يكاد لا يوصله حتى الى الحمام، وقد حكم لثلاث دورات وهو مصرٌّ على ما يسميه الجزائريون بـ "العهدة الرابعة"!
ألا يدرك هذا الديناصور أنه (كان) أحد أبطال جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي قادت الكفاح لطرد المحتل الفرنسي، وآن له أن يترجل، كما فعلت رفيقته جميلة بوحيرد التي تتظاهر اليوم ضد عهدته الرابعة؟؟
ماذا يريد الديناصور عادة؟
لو انسحب الديناصور الى حديقته الجوراسية سينعم بالجنة ذاتها، بكل ما يتمتع به ديناصور متقاعد، احترم نفسه وأتاح كرسي الديناصورية لغيره، وسيسلم من أي ملاحقة قانونية، وبلا اي وجع رأس، وسيمضي أيامه الاخيرة بهدوء نادر، بلا اختباء في حفرة ولا مواسير ولا بهذلة محاكم، بل سيمضي حياته ديناصوراً سابقاً بامتيازات كبيرة عدا شيء بسيط واحد هو:
ديناصور بلا سلطة سياسية.
عندنا ديناصور عراقي مشابه، قاد البلد من فشل إلى فشل، والحرف الأول من اسمه نوري.
وهو سميّ رئيس وزراء عراقي أسبق، لكن الفرق بين الإثنين هو إن الأسبق كان داهية بينما الحالي ديناصور.
لماذا يصر الديناصوريون على ديناصوريتهم؟
السبب بسيط جداً: الديناصور لا يعرف أنه ديناصور، بينما الناس كلها تعرف أنه ديناصور.
يخشى الديناصور مصيراً أسود لو فقد كرسيه الوثير، حتى لو استقال برضاه أو أحيل على التقاعد، مثلاً، مع أنه، في الحالين، سيحتفظ بكثير من امتيازاته السابقة، ديناصوراً سابقاً، بل سيضاف له امتياز مهم: احترام النفس الذي سيولد احترام الناس له، لكن، لأنه لا يحترم نفسه فلن يهتم باحترام الناس له، ولا تعني له الامتيازات المادية والمعنوية، بعد ترك كرسيه، له شيئاً يذكر، لأنه فقد اهم وأخطر ميزة: السلطة. فهو خارج السلطة مجرد ديناصور، مستقيل أو متقاعد، وهذا ما لا يرضيه.
المضحك، في جوهره الدرامي، هو أن درس التاريخ، الممل، لا يمل التكرار ولا يشعر بالضجر، وهو يخبرنا القصة الديناصورية المعادة: ليس من ديناصور بقي في كرسيه الوثير إلى الأبد، فإذا لم يحن أجله المحتوم، مثل كثير من الديناصورات التي انقرضت، فانه مواجهٌ أحد المصائر الثلاثة: النفي أو السجن أو القتل، من نيرون حتى القذافي، مروراً بنابليون وهتلر وموسوليني وستالين وصدام حسين وبن علي ومبارك والعشرات التي تمتلئ بهم مزبلة التاريخ، وهي المزبلة الوحيدة، لحسن حظ الناس، التي لم ولن تمتلئ ولن تفقد وظيفتها، مثل جهنم تطلب المزيد، الى أبد الآبدين.
آخر الديناصورات
[post-views]
نشر في: 21 إبريل, 2014: 09:01 م