مقهى رخيتة ليس الأول ولن يكون الأخير في قائمة أهداف تجار الموت ومهندسي مأساة العراق ، قبله كان شارع المتنبي ، والجامعة المستنصرية ، و منزل جبرا إبراهيم جبرا ..وأكثر من مرفق ثقافي آخر. لا أريد ان اذكر بالتفاصيل كل أهداف العقول الملثمة .، التي شملت الأخضر واليابس في سعار جنوني لامثيل له . لكني اخترت هنا ما له علاقة بالثقافة ، والتي جعلت الكثير يتحسسون لا مسدساتهم حسب بل ما يشحذ كل غرائزهم العدوانية، ذلك لأن لهم ثأرا قديما مع الجمال.
مقهى رخيتة الذي استهدف أخيرا بجنونهم، لم يكن سوى ملتقى - كدت أقول ملاذا- لمجموعة الشباب المثقف اختارت هذا المكان لتطمئن على إنسانيتها وعشقها للجمال. كان اكثر ما أثار انتباهي في هذا المقهى على الرغم من ارتيادي المتقطع له ، هو تواجد عدد كبير من السينمائيين الشباب الذين قذفتهم مقاعد الدراسة إلى تخوت المقهى ينسجون عليه أحلامهم، في ان يحلقوا بأفلامهم ما يصنع سينما عراقية جديرة بالإعجاب والمحبة يقترحون مشاريع، تتضافر جهودهم لتنفيذها بإمكانات بسيطة ، أو يتبادلون الآراء حول منجز جديد .. أو تراهم يستغرقون بنقاش مستفيض وغني عن فيلم عالمي جديد، أو تراهم يتبادلون الأقراص المتضمنة جديد الناتج السينمائي العالمي... لكن الأجمل من كل ذلك كان احتفاء بعضهم بنجاح البعض الآخر بالمنجز أو الظفر بالجوائز من دون ادعاء أو زيف.
الملمح الواضح في رواد هذا المقهى هو تواجد شباب السينما هؤلاء، وإن كنت لا أريد ان أغمط حق الآخرين الذين يمتهنون أجناسا أخرى من الإبداع شبابا وشيوخا.. لكن حيوية هؤلاء تكاد تطغى ، وتصيب الجميع بعدواها.. الجميع يحب السينما.
في المقهى ألتقي صديقي إبراهيم حنون وفاضل محسن العاشقين حد الوله للسينما واللذين يصران على ان أعترف أنهما مصدر ثقافتي السينمائية في مقابل ان يزوداني بالأفلام الجديدة .. في المقهى أيضا أمتلئ بهجةً وأنا أحاور هؤلاء الشباب بمشاريعهم الجديدة وأحلامهم السينمائية.
أكتب في "كلاكيت" عن فيلم خالد زهراو الجديد (عشر سنوات من حياتي) باعتبار أني شاهدته بعرض خاص ، بينما الحقيقة أن مشاهدتي له كانت في أن احتضن لابتوب زهراو في مقهى رخيتة وليس في مكان آخر .
لم يصدف أن التقى هذا الجمع من السينمائيين الشباب في مكان، مثلما كان لقاؤهم في مقهى رخيتة .. المكان كان مصدر إلهام لرؤى عالجتها أدواتهم، كان دافعا لهم في أن تتشكل محاولاتهم الأولى، المكان بوصفه بطلا.
أتراني أغالي في تمنياتي أن ينخرط المكان في مجمل اهتمام هؤلاء الشباب بوصفه مشروعا سينمائيا أو وثيقة لزمن تجهض فيه أحلام الشباب، المكان لصق ما نحلم..
أتراني أتطرّف في أن أطلب من أصدقائي السينمائيين الشباب من مرتادي هذا المقهى: لؤي فاضل، مهند حيال ، ملاك عبد علي، ياسر كريم، خالد البياتي، حارث الهمام، مرتضى حنيص، أياس جهاد، حسين كولي، صلاح منسي، تحرير الأسدي، عباس فاضل، فكرت سالم، أحمد ومحمد مونيكا ، مجد حميد ، عدي مانع، أسعد عبد المجيد، سمر قحطان، باسم الطيب.. وآخرين ربما خذلتني ذاكرتي المتعبة في تذكرهم.. أن يسهموا في تخليد المكان .. في أن يكون لهم تجمع يحمل اسم ( جماعة رخيتة للسينما الجديدة) في مسعىً متواضع لبلسمة جرح المكان .. ورد الجميل له.. يستلهمون منه إصراراً وتدياً لموت يتربّص بهم، يتربّص بالجميع.