قبل يوم واحد من جلسة البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يخلف المنتهية ولايته ميشال سليمان، خلط وليد جنبلاط الزعيم الدرزي رئيس جبهة النضال الوطني كما يحب أن يوصف، أوراق اللعبة التي كانت تقتصر على عون وجعجع، معلناً ترشيح النائب هنري حلو للمنصب، فخوراً بتقديم مرشح جامع له تاريخه في الانفتاح، وكان واضحا وقوفه ضد عون حين انتقد مواقف أبرز حلفائه من المسألة السورية قائلاً إنه لو طبّق الجميع مبدأ سياسة النأي بالنفس، لكنا وفّرنا على البلد الكثير من السيارات المفخخة والاغتيالات، فيما أكد مرشحه للرئاسة أنه من مدرسة الحوار والانفتاح، قائلاً إن الرئيس القوي المطلوب في هذه المرحلة هو القادر على أن يجمع وليس الذي لديه الجماهير، فالقوة هي بالجلوس إلى طاولة الحوار مع الجميع، ولا حل إلا بالانفتاح، لأن الفراغ عدو لبنان.
قبل ذلك سعى مؤيدو عون للتأكيد المبالغ فيه، بأنه الرئيس اللبناني القادم، وأن تسنمه المنصب تأخر كثيراً بفعل ظروف لاعلاقة لها بقدراته القيادية، ولا بسياساته المتقلبة بين الولاء لباريس أو واشنطن، لبعث صدام أو بعث الأسد، أو الانتماء لحلف المقاومة والممانعة عبر التحالف مع حزب الله، وروّج الأتباع أن البلاد بحاجة لرئيس قوي لن يكون غير عون،وطرحوا سؤالاً استنكارياً حول ما يدفع للرهان على عون لبناء الجمهورية، بعد فشله في بناء حزب صغير، وكيف سيؤتمن على الديموقراطية التوافقية من لا يؤمن بالديموقراطية في حزبه، ويجيبون بأن مرشحهم يستمد قوته من قدرته على إعادة التوازن مستقبلاً إلى السلطات، وعلى أساس أن التوازن الإقليمي اليوم يحول دون احتفاظ الطائفة السنية بنفوذ في السلطة، أكبر وأهم من نفوذ الطائفة الشيعية، والتوازن نفسه يحول دون عقد اتفاق طائف جديد يعيد تقاسم السلطة بشكل واضح بين الطائفتين، هنا أهمية عون، القادر على مطالبة المستقبل بإعطاء المسيحيين ما هو أساساً لهم، دون أن يُفسر ذلك بأنه هزيمة للطائفة السنية، ودون أن يشعر أحد بأنه ربح أو انهزم، وبذلك تُطوق أزمة الاستقرار الهش، كما يأمل المجتمع الدولي.
ليس صحيحاً القول بانعدام من يملك تجربة سياسية مماثلة لتجربة عون، وإلا لكان على اللبنانيين تصديق أن نبيه بري ووليد جنبلاط وسواهم من الزعامات السياسية، لا يملكون رأياً في من يكون الرئيس، وأن دعم حزب الله للجنرال كاف لضمان انتقاله إلى قصر بعبدا، دون حملة انتخابية وأن يبت تياره أمر ترشيحه، ولا أن يجتمع اللقاء المسيحي أو غيره بمشاركة عشرات المطارنة ليدعموه، وهو يحسم اليوم أن الرئيس لا يصنع في لبنان، بل هو نتيجة لتفاهم أو تصادم أميركي إيراني، مع ما يسبق ذلك من مشاورات أميركية سعودية، وإيرانية سورية.
الجنرال عون يُدير ظهره للداخل معتمداً على الخارج فقط، وهو يضمن الدعم الإيراني السوري اعتماداً على تحالفه مع حزب الله، وينتظر تفاهم طهران والرياض، سيكون بذلك إن نجح أسير هذه التفاهمات أو الصفقات ولن يكون بمقدوره التملص منها إلاّ إن كان يرغب بزج بلده في صراع داخلي دموي مرير، وهو يفضل أن يخوض معركته وحده، رغم علمه بأنه لن يتلقى جواباً نهائياً من الأميركيين، لكنه يتوقع أن المصالح ستدفعهم لتحكيم عقلهم وأن ذلك يسهل مهمته، لأن أولوياتهم تنحصر في الاستقرار ومحاربة الإرهاب، ويؤكد أن انتخابه رئيساً يضمن لهم هاتين الأولويتين وأكثر.
السؤال الأهم هل تضمن كل هذه المعطيات نجاح عون، دون الأخذ بالاعتبار موقف جنبلاط والموقف السعودي ومآلات الوضع في سوريا! لايبدو الجواب في صالح الجنرال وإن كان واثقاً.
جنبلاط يهزّ ثقة عون المبالغة
[post-views]
نشر في: 23 إبريل, 2014: 09:01 م