اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > سعد الله ونوس

سعد الله ونوس

نشر في: 2 أكتوبر, 2009: 07:03 م

ياسين النصيركنا قد اشرنا الى اهمية وعي الكتاب بما يدور في الساحة العربية، وكان المصريون من اكثر كتاب المسرح معالجة لموضوعات السياسة عن طريق الموروث الشعبي والحكاية في الستينيات لما تختزنه تجربتهم الطويلة في هذا الميدان، ولما تتمتع به الثقافة المصرية من حرية وتقاليد تجعلها مرنة في المعالجة والطرح.
ولكنها مع ذلك ابقت الباب مغلقا لان تشرب نغمتها السياسية بفكرة احادية، وهي ان ما يحدث على الساحة المصرية من احداث هو مادة هذه المسرحيات فقط، والامثلة كثيرة كمسرحيات علي سالم، ومحمود دياب، ونعمان عاشور، والفريد فرج، ويوسف ادريس وغيرهم.في حين ان هزيمة 5 حزيران عام 1967 والتي تعد المرحلة الفاصلة في الحياة السياسية والفنية كان انعكاسها فنيا على الساحة السورية والعراقية واللبنانية اكثر حدة منه على الساحة المصرية، فقد الف سعد الله ونوس مسرحية، حفلة سمر من اجل 5 حزيران، بعد الهزيمة مباشرة. وقد عرضت المسرحية في معظم البلاد العربية ومنعت في سوريا ومصر، مستبطنا فيها تاريخ امة هزمها حكامها قبل ان تهزمها من قبل اسرائيل.وبالرغم من ان موضوع المسرحية سياسي، الا انها كانت فنيا فاتحة لدخول الحكائي والحياتي والرمزي والاسطوري والوثائقي في بنية فنية ملحمية مباشرة، بدا فيها تأثير مسرح برشت واضحا، لتجعل البناء المسرحي الجديد بفنية منفتحة على اليومي والمألوف، مستعملا الخطاب الموجه للساسة وللعقلية المتحكمة بالشعوب. وكان كما يروي هو نفسه، يتوقع من الجمهور الذي بقي حبيس مخاوفه التي استشرت هذه المرة حين اصبحت هراوة السلطات اكثر قسوة. كانت الادانة لبنية المجتمع وللعقلية التي تتحكم بمصائر الناس هي السمة التي بقيت تلازم اعمال ونوس كلها، وكانه وجد في التراث الشعبي وفي سياق الحكومات العربية وفي العقلية الايديولوجية العامة ما ينسجم وروح القمع. ذلك البعد النقدي المغلف بالفرجة وبالحياة اليومية الناقدة لقطاعات كبيرة من الناس لما جرى من هزيمة كان هو الاكثر مباشرة في الطرح. ولم يكن المسرح العربي يجرؤ على تناول مثل هذه المباشرة قبل هذه المسرحية، وان كانت كما قلنا بوادر نقد اجتماعي/ سياسي في المسرح المصري قد بدأت قبل ذلك بكثير، لكنها كانت انتقادات عامة، وتخص ساسة عموميين، ومراحل غير محددة، في حين كانت حفلة سمر، موجهة مباشرة للحكام العرب والى ساساتهم في قمع شعوبهم والانتصار عليها، قبل ان يفكر الحكام بهزيمة اسرائيل. لم تبتدئ منهجية سعد الله ونوس بالتعامل مع الموروث الشعبي في هذا النص، بل نجده قد تعامل معها منذ مسرحيته، "بائع الدبس الفقير" مازجا بين الدراما الاغريقية والحكاية الشعبية العربية، ومطورا اسلوب ابي خليل القباني، مازجا اياه بأسلوبي برشت وبيتر فايس، وهو منحى نجده يتلاءم وسياق كاتب تقدمي يرى ان حركة الحياة تبتدئ من البحث عن اصوات الطبقات الاجتماعية الفقيرة ومشكلاتها التي تمتزج فيها المعاناة اليومية بالوعي الاجتماعي السياسي، فهي تشير في الاقل بالتركيبة الفنية التي ستظهر فيما بعد في اكثر من مسرحية وعلى اكثر من شكل، وهي بالاصل لم تغب عن سردياته المسرحية عبر هذا المزج الادبي بين ماهو سردي وحواري بمهارة توضح مقدرة او موهبة اصيلة في كيفية الحكي والحكي بأساليب الكتابة والعرض معا. اذن في حكايا جوقة التماثيل يستمر سعد الله بانزياحاته اللغوية، ولكن باضافة بعد مسرحي تقليدي يتمثل باستعادة او بمساءلة المسرح اليوناني على وجه الدقة وما يمثله من قيم فلسفية وسياسية. يقول سعد الله ونوس بعد ان قدم مسرحية، "حفلة سمر" بعد سلسلة من المنع والملاحقة: منذ منتصف الستينيات، بدأت بيني وبين اللغة علاقة اشكالية ما كان بوسعي ان اتبينها بوضوح في تلك الفترة، كنت استشعرها حدثا او عبر ومضات خاطفة، لكن حين تقوض بناؤها الرملي صباح الخامس من حزيران، اخذت تلك العلاقة الاشكالية تتجلى وتبرز تحت ضوء شرس وكثيف. ويمكن الآن ان احدد هذه العلاقة الاشكالية بانها الطموح العسير لان اكثف في الكلمة، اي في الكتابة، شهادة على انهيارات الواقع وفعلا نضاليا مباشرا يعبر عن هذا الواقع. وبتعبير ادق كنت اطمح الى انجاز (الكلمة ـ الفعل) التي يتلازم ويندغم في سياقها حلم الثورة وفعل الثورة معا. لم يكن دور المشاهد وحده يستوعب حدود الفعالية التي اتوخاها، لكن المناضل الذي اريد ان اكونه ليس في النهاية سوى كائن فعله الكلمات ويتابع حين عرضت المسرحية بعد منع طويل (يقصد حفلة سمر) كنت قد تهيأت للخيبة، لكني مع هذا كنت احس مذاق المرارة يتجدد كل مساء في داخلي وينتهي تصفيق الختام. ثم يخرج الناس كما يخرجون من اي عرض مسرحي، يتهامسون او يضحكون او ينثرون كلمات الاعجاب ثم ماذا؟ لا شيء اخر. ابدا لا شيء.. لا الصالة انفجرت في مظاهرة ولا هؤلاء الذين يرتقون درجات المسرح ينوون ان يفعلوا شيئا اذ يلتقطهم هواء الليل البارد عندما يلفظهم الباب الى الشارع حيث تعشش الهزيمة وتتوالد. الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق".لم يكن التعامل مع السياسة مسرحيا قضية سهلة، فالفرق بين ان تكتب مقالا سياسيا وان تؤلف نصا مسرحيا سياسيا هوا لذي يميز الفن من عدمه. هذه النقطة الجوهرية هي التي كانت مهمة الفنانين والكتاب العرب وهم منغمرون بالقضايا السي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram