أتخيل الكتابة للطفل منبعاً من منابع الذاكرة التي بلغت، لدى الكاتب، أكثر من سن الرشد.. هي سن القدرة على الجلوس وسط الجسر وتأمل الضفتين اللتين تحتويان نهر حياتنا.
على أن الحديث عن الكتابة للطفل أسهل من الكتابة له، ومهما بلغت أفكارنا من الحصافة ونحن "نتحدث" عن "ما ينبغي فعله" تبقى قاصرة من دون دخول التجربة والنجاح في اختبار مهاراتنا عند الكتابة للطفل فعلاً.
سنستعين بخبرة شاعر وكاتب بريطاني كتب 140 كتاباً للأطفال، هو مايكل روزين ليفيدنا، نحن غير المتخصصين، في هذا النوع الأدبي المهم، وأغلبنا يتجاهل أهميته أو يستنكف من الاشتغال فيه، مع الأسف.
يقول روزين: كلنا ندرك مفهوم الأبوة ولنا جميعاً آباء، وعليه فلدى كل منا القدرة الكامنة للكتابة للأطفال. فكتب الأطفال في رأيي ليست كتباً تكتب للطفل بقدر ما هي حلقة الوصل بين عالم الطفولة ودنيا البالغين، وعلى جميع كتب الأطفال ان تكون قادرة على ملء تلك الفجوة بين العالمين، سواء في القدرة على تخيل ذلك الكتاب المليء بالصور وهو يقرأ على مسامع الطفل أو كيف يرى الطفل نفسه في عالم يسيره البالغون.
للآباء، مثل كتاب الأطفال، مسؤولية مشتركة حتى لو أنهم لم يسهموا في "كتابة" كتاب الطفل، فهم مسؤولون عن الاختيار الصحيح للكتب، أولاً، ثم طريقة عرضه لأولادهم، بما يتناسب مع أعمارهم وميولهم ورغباتهم، فقد ينجم عن الاختيار الغط حاجز نفسي أو قرائي أو تربوي يمنع الطفل من التمتع بالكتاب وبالتالي يحرمه من العلاقة الطبيعية مع الكتب ربما حتى آخر حياته.
يضيف روزين: تداول أيدي البالغين كتب الأطفال في كل مراحل انتاجها وكتابتها وحتى شرائها قبل أن تصل للطفل. ونحن، كبالغين، نقرأ كتب الاطفال ونتأثر بكل ما مر بنا منها حين نفكر في الكتابة للطفل. وستجد نفسك ككاتب للأطفال في ترحال دائم بين ذكريات الطفولة وتعاملك مع من تعرف من اطفال. فتراجع ذكرياتك وتتساءل: لم تحب ما تحبه وتكره ما تكرهه وتخاف ما تخافه، ثم تروح تقارن بين طفولتك وطفولة من حولك. هل تغيّرت المفاهيم عند الطفل أم ما زال هناك خيط مشترك يربطهم بطفولتك؟ وكيف تكتب لهذه العقول الفتية؟
نعم ثمة خبرة خاصة عند الإقدام على مغامرة كتابة كتاب للطفل، وهذه الخبرة لا تخص الكاتب وحده، إنما فريق العمل، كله، الذي يقف وراء إصدار كتاب جيد للطفل، من مربين وإعلاميين وواضعي مناهج التعليم وأصحاب دور النشر، وصولاً أعلى هرم المسؤولية في شؤون التربية والتعليم، فكتاب الطفل هو اللبنة الأولى التي ستشيد معماره المعرفي والذوقي اللاحق، وربما يحدد مصيره ودوره في حياته الشخصية والعامة، كعضو اجتماعي منتج (أو غير منتج).
حول النقطة السابقة يؤكد روزين: الكتابة للاطفال فيها خصوصية شديدة لا تلتزم في معظم الأحيان بآراء المحررين الذين يعملون في دور النشر ولعل ما كتبه روالد دال من كتب للأطفال خير مثال على ذلك. وعليه يتوجب على من يكتب للأطفال ان يكون مطلعاً على كل ما يكتبه الآخرون، وكيف يقرأ الأطفال الكتب وكيف يتعاملون مع ما يقرأون. فعالم كتاب الطفل عالم صادق مليء بالكتاب الذين يسعون مخلصين إلى تقديم المعرفة والمتعة والدهشة بأفكار وعوالم متخيلة وقضايا معاصرة.
في عالم كتب الأطفال أناس يبذلون الجهد الحقيقي لإيصال الكتاب للطفل يعملون بجهد حقيقي ولا يحصلون على مردود مادي يعادل بعضاً مما يبذلونه من جهد.
عالم فيه الكثير من السحر حين يختلط الكاتب بقرائه من الأطفال ويلمس ردود فعلهم العظيمة.
الكتابة للطفل
[post-views]
نشر في: 5 مايو, 2014: 09:01 م