TOP

جريدة المدى > عام > في المقاربة المسرحية العراقية..العرض المسرحي (كلكامش) للفنان عزيز خيون

في المقاربة المسرحية العراقية..العرض المسرحي (كلكامش) للفنان عزيز خيون

نشر في: 5 مايو, 2014: 09:01 م

 ميزة المسرح أنه متجدد وأنه منفتح على كل الاتجاهات والرؤى وهذا ما أكسبه حياته وديمومته وأمده في خلوده على مر العصور التي تعاقبت عليه وعلى تنوع الأنظمة التي تعاملت   معه سياسية أو دينية أو اجتماعية  .. التجدد والمغايرة والبحث والاج

 

ميزة المسرح أنه متجدد وأنه منفتح على كل الاتجاهات والرؤى وهذا ما أكسبه حياته وديمومته وأمده في خلوده على مر العصور التي تعاقبت عليه وعلى تنوع الأنظمة التي تعاملت   معه سياسية أو دينية أو اجتماعية  .. التجدد والمغايرة والبحث والاجتهاد سمات تفرد بها رواد المسرح المبدعون ومنظروه الباحثون , لذا بقي المسرح مصدر عطاء وتوهج لا ينضب، الرؤى فيه متنوعة والمغامرة مشاكسة ومقتحمة  وهي تختلف في شدة وقعها حسب زخم تقدمها وإيغالها في عمق التجربة المسرحية ذاتها , دافعي لهذه المقدمة هو ما شهدته من عرض مسرحي قدم في أحد مسارح نيويورك سيتي في الولايات المتحدة الامريكية  في واحد من المسارح التجريبية والتي يتم التأكيد فيها على الأداء التمثيلي لساحر المسرح وعرافه الأول الممثل.

وقد شهدت التجربة الفنية هذه مع رفيقات  لي التقينا معا في ملتقى مسرحي أقامته جامعة نيويورك عبر منظمة  ( في نفس المكان ) والتي تجمع عددا من المبدعات المسرحيات من أنحاء العالم لتناقش معهن التجربة المسرحية في بلدانهن والتي تسعى لجعل لغة المسرح وسيلة للتفاهم والتسامح والتقارب بين ثقافات العالم الإنساني المختلفة , وقد كان لي شرف تمثيل المسرح العراقي في هذا التجمع وليس لاحد ما أو لوزارة الثقافة الفضل في ترشيحي بل إنجازي ودأبي هو ما عرفهم بي ودعاهم للبحث عن وسيلة اتصال لإبلاغي برغبتهم في حضوري في ضيافة كريمة مدفوعة الثمن بشكل راق , وقد كلفت بتقديم بحث يتعلق بالمسرح العراقي في زمن الأزمات . وكانت مسرحية  ( برلمان النساء ) نموذجا للمناقشة بعد أن فوجئوا من خلال وسائل الاعلام ووسائل الاتصال  أنه في زمن الديمقراطية والشفافية وحرية الرأي والتعبير  يتم إطفاء الكهرباء عن عرض مسرحي لأنه عرى فساد البرلمان العراقي وتفضيله منافعه على حساب الشعب  الذي أوصلهم الى قبة البرلمان بطريقة ساخرة لكنه أكد في ذات الوقت على العناصر الإيجابية وضرورة دعمها بأسلوب فني وجمالي مميز !! وقد كان من ضمن منهاج الملتقى حضور عروض مسرحية , يشكل العرض الذي نحن بصدد الحديث عنه واحدا من هذه العروض , كان عرضا لواحد من نصوص الكاتب المسرحي برناردشو , لم تكن خشبة المسرح الا قاعة كبيرة مزودة بعدد من الكراسي وزعت داخل فضاء المسرح محيطة بمساحة العرض المسرحي من الجانبين والوسط وأمام المتلقين يقف الممثلون أمام ميكرفونات عمودية وهم يحملون نصوصهم المسرحية , وعلى الجانب الأيمن يجلس عازف العود وهو يحتضن عوده ويعزف الحانه ذات الموسيقى الشرقية بوصفه واحدا من عرب أمريكا  ليضفي جوا من الرومانسية في المواقف الدرامية التي تتطلب ذلك , الإضاءة كانت عامة والممثلون بأزيائهم الشخصية يقرأون النص أمام جمع المتلقين ونستطيع ان نطلق على هذا الفضاء المسرحي كلمة "ستوديو مسرحي" ,امتدت القراءة المسرحية لساعتين إلا عشر دقائق في ذات الأجواء وطريقة الأداء والكل يصغي وهو معجب وفي ختام القراءة المسرحية صفق المتلقون طويلا  وقدموا باقات الزهور للممثلين ولمخرجة العرض المسرحي  المقروء !! حينها تذكرت بقوة تجربة الفنان القدير عزيز خيون الرائدة في تأريخ المسرح العراقي والمبتكرة وهو يعيد قراءة ملحمة كلكامش من على خشبة المسرح الوطني والتي قدمها في يوم المسرح العالمي من العام 2012 , أجزم أن الفنان عزيز خيون كان يسعى من خلال كلكامش الى أحياء الإرث الحضاري العريق وتأكيد الخلود للمبدعين من خلال الانتماء الحقيقي لأوطانهم وايضا ليعرف المتلقين من الشباب المسرحي الجديد بضرورة النهل من أولى الحضارات الإنسانية التي بزغت من أرض السواد برؤية جمالية ساحرة وآلية اشتغال جديدة , ابتكر ابن خيون طريقة جديدة لمقاربة تلك الملحمة الصعبة وكان جريئا ومتفردا في اجتهاده وأكثر مسرحة من زميلته الامريكية التي لا تعاني من المفخخات والكواتم وقلة الدعم والسند,  والتي سبقها زمنيا وتجاوزها في طريقة المعالجة والاشتغال اذ اشتغل على فضاء خشبة المسرح الوطني الواسع فصمم مستويات مختلفة لحضور الشخصيات بأبعاد ونسب مدروسة وملفتة للنظر واستعان بملمح من الزي باستخدام قطع ملونة من الأقمشة الحريرية لكل ممثل تقترب من روح الشخصية وتؤشرها , كما عمد الى الاستعانة بسينوغرافيا مستمدة من لون ومعمار الميثولوجيا العراقية معلقة في أعلى فضاء الخشبة  متحولة ومتدخلة حسب تركيبة وتناوب المشاهد الدرامية المقروءة من الملحمة والتي تتجلى تعبيرا بصريا وعزفا صوتيا متنوعا وبليغا عبر الميكرفونات العمودية التي وقفت الشخصيات الدرامية ازاءها , كان للموسيقى حضورها في خلق الأجواء وتأكيد الانتقالات  والتحولات النفسية  ,وقد كان المخرج عزيز خيون حاضرا في العرض مؤديا لدور الراوي والقائد لفريق العرض اذ كان يوجه ويؤشر ويستدعي تغيرات المفردات الديكورية وتداخلات الممثلين وزيادة الزخم الادائي وتحولات الموسيقى التي حرص أن تكون ذات لون شرقي , كان يقود الفريق مثل مايسترو ماهر لذا جاءت القراءة الممسرحة التي ابتكرها مؤثرة وجديدة , وقد قدم الملحمة بساعة وربع ولكن وكما هي العادة لدى النقاد والمتابعين العراقيين لم يلتفتوا الى التجربة ويوثقوها نقديا بل اكتفوا بابداء الإعجاب شفاها واكتفى البعض الاخر من الذين لايعملون لكنهم يحسنون التشويش ومصمصة الشفاه والتلمز والتنابز وبث السموم اللئيمة أمام اجتهاد زملائهم بمحاولة التقليل من قيمة التجربة أو اعتبارها عادية ومطروقة سابقا , بل ان أحد الأساتذة الأفاضل والمربين الاكاديميين من الذين كانوا داخل التجربة  ذاتها وفي مقابلة تلفازية بثت من قناة الحرة حين سؤل عن التجربة وأهمية الرؤية التي قامت عليها , استكثر ان تكون التجربة الخاصة بالفنان عزيز خيون ذات رؤيا ضاربا بكل القيم الجمالية والفنية والاخلاقية التي تعارفنا عليها عرض الحائط  دون خجل ناسيا أنه أستاذ ومربٍ !! لكنه بعد وقت  حاول ان يقدم الملحمة بقراءة ثانية الا انه فشل حتى في جمع ربع العدد الذي جمعه الفنان عزيز خيون وقد كان جلهم من المسرحيين العراقيين المتميزين وبضمنهم الاستاذ الجليل والمربي الذي يستكثر ان ينجح وينجز طلبته وزملاؤه ويعتقد أن المسرح مرهون به فقط وان لا أحد من قبله ولا أحد من بعده !! , كان لزاما علي أن اكتب عن هذه التجربة المسرحية وأشيد بجهد واجتهاد منجزها وأذكر الآخرين العاجزين عن التواصل المدعين والمتغافلين عن إنجاز مبدعين عراقيين مهمومين بالمسرح لأنه وسيلتهم للتثقيف والمعرفة وبث روح المتعة البريئة العارفة  والذين ما انقطعوا عن العمل أو تعللوا بالظرف رغم صعوبته, أذكرهم وأصرخ في أذانهم لأزيل الوقر عنها ان مساحة الحرية اكبر من محدودية رغباتكم وان المسرح ملعب للعقل النير يرتقي بنا ونضيء من خلاله عتمة الجهل الذي تخلفه العقول المظلمة علينا ان نقول الحقيقة وان نكتبها لكي تعرف الأجيال المقبلة قيمة الفكر العراقي العارف  حقيقة  المثقف الفاعل  في زمن رخص فيه الدم العراقي واختلطت الأوراق وتطاولت أقزام التخلف على العقول النيرة  وهذه مهمة النقد والمتابعة المعرفية للباحث والدارس .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الأنواء الجوية: ارتفاع في درجات الحرارة الاسبوع الحالي

الكويت تنفي تدهور الحالة الصحية لسلمان الخالدي الذي تسلمته من العراق

ترامب: نريد 50% من ملكية تطبيق تيك توك

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram