كنا أطفالا حين سمعنا إطلاقة نارية أعقبها صراخ هستيري عند منتصف الليل اكتشفنا بعده انتحار جارنا بسبب تورطه بقضية اختلاس في دائرته الحكومية، ولأننا لم نكن نفهم معنى كلمة انتحار او اختلاس فقد قال لنا آباؤنا انه قتل نفسه خجلاً لتورطه في سرقة أموال الدولة... لم يطل البقاء بزوجته بعد ذلك إلا اياماً انتقلت بعدها مع اطفالها إلى محافظة اخرى وكان الخجل يطل من عينيها اكثر من الحزن كما قالت النسوة اللاتي ذهبن لتعزيتها.. ! بعد سنوات، سمعنا إطلاقات نارية وزغاريد ، سألنا عن سبب الاحتفال فعلمنا انه احد سكان الحي المجاور كان قد اتهم بقضية اختلاس كبرى في دائرته الحكومية وتمكن من "لملمة" القضية والخروج من السجن.. النسوة اللائي ذهبن لتهنئة زوجة المختلس "ببراءته" لاحظن ارتداءها "باوناً" ذهبياً جديداً يدل حجمه على غلاء ثمنه وحين سألنها عنه قالت بزهو ان زوجها جلبه لها من آخر "صفقة" قام بها بعد ان انقذ نفسه بشطارة.. بهذه الطريقة غاب الخجل مع عشرات القيم والمبادئ خلال تلك السنوات وصار المبدأ الجديد لأي شاطر " ان لم تستح فافعل ما شئت " ..
في انتخاباتنا التي عقدنا عليها آمالا كبيرة غاب الخجل ايضا حين سلكت بعض الكتل أساليبا رخيصة او خبيثة للترويج لنفسها وليس لبرنامجها الانتخابي وصارت الشطارة صفة لمن حصد اصواتا اكثر ولا يهم كيف تحقق ذلك رغم اننا جميعا ندرك مدى قذارة اللعبة ..
من ناحيتي ، لا انكر ألمي وربما يأسي بعد ظهور النتائج الاولية للانتخابات التي اعادت الكرة الى ملعب دولة القانون وجعلت رئيس الوزراء المنتهية ولايته لا يخجل من المطالبة بتشكيل حكومة أغلبية متناسيا وقوفه الى الضد من ذلك في الانتخابات السابقة واختطاف مقعد رئاسة الوزراء من تحت رئيس القائمة العراقية بالالتفاف على هذه الفقرة ..لهذا السبب قررت ان اجري استقصائي الخاص فأسأل شرائح متعددة ممن انتخبوا المالكي مجددا عن سبب انتخابهم له ..
بعضهم قال انه سيوزع لهم الأراضي كما وزع للفقراء من قبلهم وآخرون وجدوا فيه المنقذ من الإرهاب طالما لا يشاهدون الا قنواته ولا يستمعون الا الى بياناته الساخنة في القضاء على داعش وتحرير الأراضي العراقية من كل من يعادي المذهب والعقيدة ..اما القسم الاكبر من منتخبيه فهم خائفون من مجيء حاكم جديد ربما يمنح حظوة للآخر، او يسلبهم حقهم في الحكم واذن فأبو اسراء ( احسن من غيره ) حتى لو مارس صنوف الكذب والخداع والمراوغة وسرقة المال العام وإحاطة نفسه بالأقارب والمنتفعين والمتزلفين ..و( اللي نعرفه احسن من اللي منعرفه ) ..
بهذه الطريقة يفكر المواطن العراقي البسيط دون ان يعلم انه انما يعمل على صناعة ديكتاتور آخر يزداد التصاقا بكرسي الحكم وابتعادا عن الشعب ، وحين يحتاج الى شعبه ليزيده التصاقا بمقعده المفضل فهو يدغدغ مشاعر الفقراء والبسطاء بالوعود ويطمئن المتعصبين للمذهبية والطائفية بالحفاظ على العقيدة بالنار والدم ، وهكذا ..يعاود المواطن صناعة الديكتاتور حين يغفر له أفعاله ويتوقع منه الأفضل للمرحلة المقبلة ليبرر خوفه من المجهول ..ولكن ، هل ننتظر الأفضل ممن غاب عنه الخجل سواء في أسلوب دعايته الانتخابية او بحرمان شرائح كاملة من الانتخاب وتزوير ما يمكن تزويره لكسب أصوات اكثر .
في غياب الخجل
[post-views]
نشر في: 5 مايو, 2014: 09:01 م