ثمة رابط واضح بين المشاورات المكثفة بين قادة عراقيين وطهران، بهدف ترتيب البيت الشيعي العراقي، عشية تشكيل حكومة جديدة، وبين التصريحات المثيرة، للفريق يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، والمستشار العسكري الحالي للمرشد الأعلى، والتي قال فيها إن حدود بلاده الحقيقية ليست كما هي عليها الآن، بل تنتهي عند شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني، والمفهوم انه يعني حدودها المذهبية التي نفترض أنها حسب هذا الفهم ستمتد إلى الباكستان وغيرها من المناطق التي ينتمي بعض أبنائها للطائفة الشيعية الكريمة بغض النظر إن كانوا يؤمنون بولاية الفقيه أم لا، وفي إطار هذا الفهم المثير ولتأكيد رؤيته هذه استحضر من التاريخ السحيق أن النفوذ الفارسي بلغ سواحل المتوسط، في عهد الامبراطوريتين الأخمينية والساسانية قبل الإسلام.
ليس هدف هذا المقال تصديق أو تكذيب المستشار علي الموسوي، الذي نفى بشكل قاطع أن يكون السيد المالكي زار إيران بعد الانتخابات التشريعية لكسب تأييدها لولاية ثالثة يشغلها، ولا البحث في العلاقة الخاصة جدا له مع ايران، رغم أن العادة جرت سابقاً على التشاور مع طهران حول تسمية رئيس وزراء العراق بحكم تشابك المصالح، ولا نظن أننا بحاجة لتذكير أحد، بأن المالكي فاز بولايته الثانية بدعم صريح من طهران أولاً وواشنطن بعدها، ولن نحاول إلقاء الضوء على النشاط المكثف للجنرال سليماني بعد الانتخابات، نحن فقط نتناول تصريحات صفوي، التي اختار توقيتها في ذكرى واحد من مفاصل الحرب العراقية الإيرانية، بما هي حرب عنصرية عند طرفيها، وهي تصريحات تتسم بقدر عال من العداء لجيرانه من أبناء القومية العربية، وهم يجدون أنفسهم أمام سؤال، كيف يمكن تحسين العلاقة مع جيرانهم الفرس، ما دام هؤلاء يستحضرون للواقع أبشع ما في التاريخ، لتأكيد أن نفوذ دولتهم يصل إلى شواطئ المتوسط، والتأكيد أن هذا النفوذ يمر من العراق وعبر سوريا ليحط في آخر الامر عند حسن نصر الله، الذي يفتخر بكونه واحداً من جنود الولي الفقيه، وبما يعني عملياً أنها حدود مذهبية، نكتشف أنها غير مسبوقة في التاريخ.
يقف المرء حائراً أمام كيف يصنف الدولة الإيرانية المعاصرة، فهي من ناحية تدّعي أنها دينية تؤمن بالإسلام، لكنها في واقع الأمر تكرس كل طاقاتها لحماية أحد المذاهب ونشره حيثما أمكن، في خطوات ينظر إليها تابعو المذاهب الأخرى نظرة عداء، خاصة مع التدخل الإيراني السافر في شؤون دول مستقلة، لمجرد أن بعض مواطنيها يعتنقون مذهب حكام إيران، وإذا كان معلوماً أن الدين في جوهره إنساني ويؤكد أن لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فإن الكثيرين من قادة إيران ينطلقون في مواقفهم من تعصب للقومية الفارسية، ليس في تعاملهم مع محيطهم العربي فقط، وإنما في التعامل مع قوميات من أصول غير فارسية تستوطن إيران.
كان الفهم السائد أن الإيرانيين يتقنون فن السياسة أكثر من غيرهم، فهل تغير الأمر .
أين حدود الدولة الإيرانية؟
[post-views]
نشر في: 6 مايو, 2014: 09:01 م