فيلم "حنا آرنت" للمخرجة الألمانية المعروفة مارغريت فون تروتا لايدعي تغطية شاملة لسيرة حنا آرنت الفيلسوفة اليهودية الألمانية الأصل والأميركية الجنسية، لكنه في الوقت نفسه ومن خلال الحدث الاشكالي في السيرة المهنية لهذه الشخصية فانه يسلط اكثر من ضوء على تفاصيل مهمة في هذه السيرة . وهو ما يراه الكثير من مؤرخي عصرها باعتبار انها" انعكاس لأبرز الأحداث التي شهدها النصف الأول من القرن المنصرم بل ان مفكرا مثل إرنست جيلنر يرى إن "حياة هذه الناقدة اللاذعة تجسد أيضا جملة الحياة الفكرية والسياسية في عدة قرون أوروبية".
وفي استعراض سريع لسيرة الفيلسوفة الألمانية، أنها ولدت لعائلة يهودية درست الفلسفة على مارتن هايدغر، وربطتهما ايضا علاقة عاطفية، تعرضت فيما بعد بسببها الى انتقادات لاذعة بسبب مواقف هايدغر المؤيدة للحزب النازي ، و قد تزامن ذلك مع الصعود المدوي للنازية وأيديولوجيتهم الشمولية في المانيا عام 1933، وهو ايضا المنعطف الأهم في حياة أرنت ، التي وجدت في العمل السياسي بديلا للدراسة النظرية للفلسفة ، خاصة بعد اعتقالها من قبل الجستابو ثم اطلاق سراحها وقرارها بالهروب تفاديا من ملاحقة ومراقبة رجال الجستابو لها، لتكون باريس محطتها الاولى في المنفى ، وكان لها دور فاعل في هجرة الكثير من الشباب اليهودي الى فلسطين. وبعد دخول القوات الألمانية الى باريس وإعلان هزيمة الفرنسيين ، احتجزت في احد معسكرات الاعتقال، قبل ان تتمكن من الهروب والنجاح بالوصول إلى نيويورك مع زوجها عام 1941،لتعمل ضمن منظمات تبشيرية يهودية قبل ان تجهر بنقدها لفكرة تأسيس وطن قومي لليهود.
فيلم «حنا آرنت» يتناول اهم حدث في حياة آرندت وهو تغطيتها لمحاكمة القائد النازي أدولف أيخمان في إسرائيل، لحساب مجلة نيويوركر بناء على طلبها هي الذي وجد حماسة من هيئة تحرير هذه المجلة .
هذا الحدث هو نقطة الارتكاز الأساسية في موضوعة الفيلم ، لكن بالارتباط مع سيرة هذه الفيلسوفة وبشكل اعمق مع الأفكار التي دافعت عنها حتى النهاية وإن كان الفيلم لايتوافر على إحاطة شاملة بسيرتها خاصة عن ماضيها، ثم عن تحولاتها الفكرية ومواقفها تحديدا من قضية اليهود التي كانت المفصل السياسي والاجتماعي الأهم خلال النصف الأول من القرن العشرين، هذه التحولات التي تمثلت بالانحياز المتطرف لموضوع بناء وطن لليهود ثم النقد القاسي للكثير من الممارسات لزعماء اليهود واسرائيل فيما بعد، كما لم يتسن لنا الوقوف على تفاصيل علاقتها مع الفيلسوف الأشهر مارتين هايدغر كأستاذ ومثل اعلى بمحاضراته وأطروحاته ثم ارتباطها بعلاقة عاطفية به.
ومن خلال محاكمة ايخمان الذي كان مسؤولا عن زج أعداد كبيرة من اليهود في معسكرات الاعتقال النازية .. والذي استطاعات المخابرات الاسرائيلية إحضاره من الأرجنتين حيث كان يعيش متخفيا، من هذه المحاكمة يذهب بنا الفيلم في سياحة بفكر ارندت .
قبل هذه الحادثة كان لآرندت حضور لامع في المشهد الفكري الأوروبي والعالمي من خلال كتابها الأهم “جذور النظام الشمولي”، والذي كرسها كرائدة في رصد وتحليل الظاهرة الشمولية التي شهدتها أوروبا مع صعود النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والستالينية في روسيا…
موقفها في قضية ايخمان التي يسلط الفيلم حزمة من الضوء عليها بوصفها موقفا متناغما مع فكر ارندت فضلا عن كونه موقفا جريئا ومفعما بالمعرفة والنظرة الفاحصة لهذا الحدث. فقد فوجئت الفيلسوفة والمنظرة السياسية خلال محاكمة ايخمان ، والتي استعان بها المخرج بلقطات حقيقية من ارشيف المحاكمة التاريخية له عام 1961، بشخصية ايخمان العادية التي لا تشير الى شخص استثنائي في عدائيته حيث كان لا يضمر كما يشير هو اثناء محاكمته عداء شخصيا لليهود بل لم يكن سوى منفذ للأوامر.
يتبع
السيرة في السينما..حنا آرنت
نشر في: 7 مايو, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)
جميع التعليقات 1
imankhuder
تحياتي علاء اشلونك شوقتني الى هذا الفيلم لم اسمع به من قبل هل متوفر في الاسواق ولك مني الشكر ايمان خضير