الصعوبة في تمييز الجاهل الطائفي عن المثقف الطائفي تكمن في القدرة على اكتشاف الثاني. فالجاهل قد تظهر عليه علامات الإصابة بفايروس الطائفية بوضوح اما المثقف فقد يكون حاملا له لكنه قد ينجح في اخفائه من خلال التلاعب بالمفردات وصياغة الجمل. باختصار: الأول لا يجيد فن الاخفاء اما الثاني فقد يكون أستاذا فيه. لكن، في الحالتين، يكشفهما قاسم عطب الضمير والإنسانية والذائقة الحسية. عطب الذائقة عند الجاهل الطائفي يجعله شتاما بذيء اللسان يكشف عن أبشع ما بداخله من الفاظ عندما يمر بحالة من النشوة. ونشوة الطائفي تبلغ ذروتها حين ينتصر رمزه حتى لو كان حاكما مستبدا وجاهلا. وعطب الذائقة عند الكاتب الطائفي، حين ينتشي، يجعله لا ينتبه لفشله في استخدام مفرداته، خاصة الشعبية، ويوهمه بانه لا يخطئ باستعمالها ابدا. الوهم صنو الجهل يا أصحاب.
يقول العالم النفساني بارتيليت في كتابه "الدعاية السياسية": لا حاجة بأحد الى التعمق في دراسة علم النفس لكي يعلم ان الناس الذين يسرفون في عرض علو قدرهم يندر ان يكونوا فعلا من ذوي القدر العالي. وقد يكونون فعلا من ذوي القدر العالي، لكن تكرار التأكيد على ذلك العلو – كقاعدة عامة –انما ينبثق من شك عميق لم يتبينوه تبينا تاما في أن الآخرين – في الواقع –أفضل منهم تأهيلا".
مرة دخل أحدهم على ساحة الشعر الشعبي في الستينات بقصيدة عنوانها "مسحاة الأمل" متصورا انه سيفجر بركان الحداثة. العطب الحسي هنا في الربط بين رمزين (المسحاة + الأمل) اللذين لو اتى خالق السريالية لا يمكن انيصنع منهما صورة إبداعية. المسحاة ذاتها استخدمها استخداما حسيا مبدعا شاعرنا كريم العماري عندما تساءل في واحدة من قصائده:
صدك يا هور العمارة .. يموت حمود مصلوب اعله مسحاته؟
فلاحظوا الفرق.
فعلا لو وضعت المسحاة على الأرض بشكل عمودي مقلوب ستكون شبيهة بالصليب. قصدت بذلك مقارنة بسيطة بين الاستخدام البشع والمبدع للمفردة.
امس كتبت لكم عن صاحب الثريد في "اللكن". و"اللكن" هو وعاء لجمع الماء الوسخ والقاذورات بعد غسل اليدين. وهو في هذا اقرب للبالوعة او "السبتتنك" أجلكم الله. الكاتب حور المثل القائل "يثرد بصف الماعون"، مستبدلا الماعون بـ "اللكن". ووصف كتابات المثقفين الذين ينتقدون رأس السلطة على ادائه بالثريد من باب السخرية. الى هنا جيد. لكنه حين ابدل الماعون "باللكن" صار كأنه يقول لهم: "انكم تكتبون خارج البالوعة". هنا أدان صاحب "اللكن" نفسه بنفسه لانه يريدهم أن يشاركوه الثرد في المكان الذي هو يثرد فيه، فهنيئا له.
"السيان" الذي يشترك من حيث المعنى الرمزي مع "اللكن" قد استخدمه مظفرالنواب. ولأنه مبدع وظفه وكأنه رمز للنظافة وليس للوساخة. قال:
لو صرتي زبل من زود المزبلين ..
ولو داروا عليچ "سيان" طينتهم يحلوه اسنين ..
أكولن كاعي واعرفها.
لا أعلق اكثر من ان أقول: احكموا بانفسكم وشوفوا هاي وين وذيج وين؟
وقفة ثانية مع "اللكَن"
[post-views]
نشر في: 7 مايو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
غريب في وطني
اشهد بالله انك اصبت لكن متي بربك يطهر العراق من اللكن فقد عميت عيوننا من هذه الروائح الراكدة واصبحت وباء ينخر بجسد العراقيين اخيرا رعاك الله واثقل ميزانك حسنات يااستاذنا الفاضل مع تحياتي غريب في وطني
أبو همس الأسدي
عشت استاذ هاشم .. ولله وفيت بحق اللكن وكفيت ..وصح لسانك وماأبدع قلمك وأروع منه تشبيهاتك !!