بغض النظر عن كل تساؤلاتنا حول اتفاق التهدئة في الانبار، فإنه امر لابد ان يمضي. وبالطبع فإنه استجابة تأخرت بشكل مدروس، لدعوات اكثر الاطراف تعقلا، التي ألحت منذ اعتقال احمد العلواني، بأن الحملات العسكرية غير مجدية، وأن العراقيين سيموتون، ثم يعود "الزعماء" للتفاوض، لا على مكسب جديد، بل من اجل عودة المياه الى مجاريها وطبقا للوضع الذي سبق القتال!
لكن المهم في حالة الانبار، انها مناسبة شرحت لنا بطريقة مؤلمة، "فلسفة الحاج" في ادارة البلاد. هو حين يواجه ازمة، يحب ان يجمع اكبر كمية ممكنة من "الصراخ" لإصابة الجمهور بالعمى، ولا يتورع عن استخدام اخطر الحركات، التي ترفع البلاد وتلقي بها ارضاً، دون اي توضيح يفسر ما حصل، باستثناء شريط الصراخ ذاته "داعش، ارهاب، جيشنا البطل" وكأن البطولة فعل مجاني يمكن لرجل الدولة ان يجربه حسب الشهية، ودونما حساب وكتاب.
اللامعنى واللاجدوى في اندلاع حرب الانبار ونهايتها، هو معنى الولاية الثالثة التي يقاتل المالكي من اجلها. وحين نتفاوض مع انفسنا او مع الخارج لتشكيل الحكومة المقبلة، فإن "لا معنى" هذه المعارك، هو نموذج الاختبار والتفسير المسؤول الذي يكفينا عن بقية تفاصيل مبررات خلع الحاج واستبداله.
ووسط ولع المالكي ب"اكبر كمية ممكنة من الصراخ"، اصبحنا امام فاصل دعائي جديد يدوخ اسماعنا، كبرنامج "اصلاحي" للولاية الثالثة! كيف تريد اصلاح الامور يا حاج؟ يجيبك برشقات لا تحصى "اغلبية، اغلبية....". ولكنك استوليت على كل المناصب يا دولة الرئيس، فماذا ينقصك بالضبط لتباشر الاصلاحات؟ هل تريد وزارة الاسكان والسياحة كذلك؟ وكيف ستصلح ارتجالاتك وتسرعاتك وتراجعاتك غير المفهومة؟ وهل لديك سوى نموذج الحرب الغامضة في الانبار، لتدير علاقاتك مع كردستان وأيضا مع الحكومات المحلية التي انتزعها منك خصومك في البصرة وغير البصرة؟
ومقابل نموذج "الاصلاح المضحك" الذي يتحدث عنه المالكي، يوجد لدى خصومه ورقة اصلاح حقيقية اشتغلت عليها خيرة العقول السياسية المتاحة، واعلنت في ٢٠١٠ ثم اعيد الاعتبار لالتزاماتها في ٢٠١٢، وباتت حتى هذه اللحظة، نقطة لقاء موضوعي بين اكبر الاحزاب التي تعارض نهج المالكي، وهو لا يمتلك ورقة مثلها تعالج قضاياها الجوهرية، بل يطرح مسارا معاكسا تماما. فبينما يركز الخصوم على امور من قبيل احترام اللامركزية الدستورية، واحترام الهيئات المستقلة، واحترام القضاء، يطالب المالكي بالمزيد من السلطات شديدة المركزية، ويدعو خصومه للتحول الى معارضة، لا تمتلك اي وسيلة ضغط لاستجواب مسؤول او تمرير مشروع قانون، اذ سيحتجزهم في البرلمان ويمطرهم كل ساعة بفواصل الصراخ المفضلة لديه، دون ان يقطعها سوى "كرنفالات فجة" لاعتقال صباح الساعدي ورحيم العكيلي.
لكن الانصاف يقتضي ان نعترف بأن الحاج ينجح عبر "صراخه" في مشاغلة قطاع مهم من الجمهور، بتبشيره بالاصلاح الزائف، بينما لم يبذل خصومه ما يكفي من جهد، للتواصل مع الجمهور حول اوراق الاصلاح المتبلورة سلفا. وستكون لديهم اكثر من فرصة لبلورة موقف يتفهمه الجمهور على نحو ابسط، فيما يتصل بطبيعة الخطوات التي يتطلبها مشروع التصحيح تشريعيا وتنفيذيا.
اما اطرف ما نسمعه خلال انتظارنا الممل لنتائج الاقتراع، فهو توهم كثيرين بأننا كنا في "انتخابات رئاسية" بحيث ان بضعة اصوات يتقدم بها المالكي على خصومه، تفرض علينا ان نستسلم لنهجه المخفق. وينسى هؤلاء ان نظامنا البرلماني ومثل كل النظم البرلمانية في العالم، لا يعطي قيمة ل"فائز" عاجز عن اقناع كتل البرلمان ببرنامجه الحكومي، خصوصا اذا كان يمتنع طيلة ثمانية اعوام، عن اعداد حتى نظام داخلي لحكومته، ويرفض استجواب وزرائه، ويهدد بتحويل البرلمان الى حلبة ملاكمة، ان هو استجاب لطلب النواب بالحضور وتوضيح فضائحنا المكلفة والمتواصبة.
اصلاحان للحاج وخصومه
[post-views]
نشر في: 7 مايو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أبو همس الأسدي
استاذ سرمد ..واقعا لايمكن أن يكون اتفاق الهدنه في الأنبار استجابة لدعوات العقلاء ؟؟ بقدر ماهو استجابة للواقع الميداني العسكري ؟ الذي املى على الحاج وفريق السلطان ذلك التأخر المقصود للحفاظ على ماتبقى من ماء الوجه ولحين تجاوز يوم الأنتخابات ؟؟ بأعتبار تلك