أسبوعاً بعد آخر يؤجل رئيس البرلمان اللبناني جلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد، ليخلف ميشال سليمان قبل انتهاء ولايته في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وفيما يُطل شبح الفراغ نتيجة لعبة عض الأصابع بين أقطاب السياسة، أعلن المطارنة الموارنة قلقهم ودعوا القادة السياسيين للطائفة إلى اعتبار التزامهم بانتخاب رئيس في المهلة الدستورية، خريطة طريق أخلاقية لخوض الانتخابات الرئاسية، وأخذ رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل على عاتقه، البحث عن مخرج من مأزق العجز عن انتخاب الرئيس الجديد.
نواب 14 آذار، يحملون المسؤولية تكتل عون وحزب الله المسؤولية بتعطيل النصاب في الجلسات النيابية، فيما يرى هؤلاء أنهم يمارسون حقهم بانتظار اختراق سياسي، قد ينجم عن سلسلة لقاءات يشارك فيها المتنافسون على المنصب، فيما يطرح حزب الكتائب فكرة ترشيح الرئيس الجميل بعد أن جرب جعجع حظه وفشل، ويبحث هذا الفريق إمكانية التوافق على مرشح من صفوفه، يمكن أن يحصد أصوات كتلة اللقاء النيابي الوسطية برئاسة وليد جنبلاط، ومعها بعض الأصوات من جماعة عون وقوى 8 آذار، بينما يفكر البعض بترشح أربعة من الأقطاب الموارنة "جعجع والجميل وعون وفرنجيه" لتكون الرئاسة لمن يحصد منهم أكثرية الأصوات.
قبل الاتفاق على الرئيس الجديد لابد من اتفاق عون مع الحريري على تفاصيل المرحلة المقبلة، وإذا كان الجانبان يخوضان مباحثاتهما عبر الوسطاء حتى الآن، فإن النائب وليد جنبلاط يسعى من جانبه لجر الجميع إلى تسمية مرشح ثالث، يتمنى أن يكون مرشحه هنري حلو، غير أن هذه المساعي تنتظر حوار عون والحريري، علماً بأن الطرفين يُسربان نتائج متناقضة لها، وبحيث يشعر المستمع أن كلاً منهما يتحدّث عن جلسات حوار لا صلة لها بما يتحدّث عنه الطرف الآخر، أو أن لقاءاتهما مجرد حوار طرشان.
طرفا الصراع يتبادلان الاتهامات، ففي صفوف تيار المستقبل من يتهم حزب الله بمحاولة أخذ لبنان إلى الفراغ الرئاسي، بهدف العودة إلى نظام تأسيسي جديد، ويرد الفريق الآخر بنفس التهمة، ولكن على خلفية ترشيح جعجع وهو مرفوض من قبلهم، ويقولون إنه مرفوض من الشعب اللبناني وعلى أساس انهم هم الشعب، وأن الآخرين من كوكب آخر ليس فيه وطن يسمى لبنان، وبينما يرى البعض أن حزب الله يسعى إلى الفراغ الرئاسي لتحسين وضعه الداخلي، فإن الحزب الأصولي يرد بالنفي، مُستدلا بما قدمه من تنازلات لتشكيل حكومة تمام سلام، وهو يؤكد أن هدفه هو الحفاظ على وجوده في مواجهة إسرائيل.
لبنان كما يبدو حتى الآن، مُقبل على معضلة الفراغ الرئاسي التي ستليها مشكلة الفراغ النيابي، فيما ينتظر الجميع معجزة الحل بتدخل خارجي، حيث من المؤكد ارتباط ما يجري في الإقليم بما هو قائم في وطن الأرز، بصفته ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، واذا كانت كل القوى المنتظر تدخلها تعلن بأن الاستحقاق الرئاسي هو شأن داخلي يخص اللبنانيين وحدهم، فإن المؤكد أن هذا الاستحقاق يرتبط بانتخابات الرئاسة السورية والحوار الإيراني الأميركي، وما يتبعه من حوار سعودي مع طهران، وبمعنى أن على اللبنانيين انتظار معجزة لتنتظم الأمور في لبنان.
حتى الآن لا حظ لجعجع أو لعون في الدخول إلى قصر بعبدا، وبينما يتحدث الجميع في أروقة ودهاليز السياسة اللبنانية عن رئيس "صنع في لبنان"، فإن عيونهم تتطلع إلى خارج حدود وطنهم، بحثاً عن توافق سرّي يُبيّض وجوههم حين يعلنون الاتفاق على الرئيس العتيد.
لا عون ولا جعجع..فمن يكون الرئيس؟
[post-views]
نشر في: 9 مايو, 2014: 09:01 م