في عينيه قذى من لايرى بوضوح أن النظام الإقليمي القديم في الشرق الأوسط يتداعى، وأن نظاماً جديداً سيقوم بدلاً منه، ولكن بعد مدة ليست قصيرة، ينتشر فيها الخراب والدمار والتفتيت وسفك الدماء، فواقع الحال يقول إن سوريا التي تشهد حرباً أهلية طاحنة، مقسمة فعلياً بين النظام ومعارضيه الذين يسيطرون اليوم على المنطقة الواقعة بين حلب وتركيا، وكذلك الأراضي المجاورة للأردن، وهي مناطق يتم التنازع عليها بين المجموعات المسلحة وعلى أسس تتستر بالدين والإثنية، فيما يبسط النظام سيطرته على المنطقة الممتدة من حماه إلى دمشق، ويستمر بالدفاع عنها ضد اختراقات المعارضة، بينما تظل المناطق الصحراوية بين حمص والعراق ملجأ للإرهابيين بسبب خلوها النسبي من السكان، وانعدام قدرة قوات الأسد على السيطرة عليها لحاجتها إلى أعداد كبيرة ليست متوفرة، ولايملك النظام القدرة على حماية طرق إمداده الجغرافية من العراق وايران، ما سيدفعه حسب بعض التقديرات إلى تأسيس كيان مذهبي، يبدو أن ملامحه بدأت بسيطرته على حمص، بانتظار فرصة استعادة سوريا كلها، وهو أمر يستبعده المراقبون الستراتيجيون.
في عراق ما بعد صدام حسين، ديمقراطية شوهتها المحاصصة الطائفية، ونخرها الفساد المالي في واحدة من أغنى الدول العربية، ويدمرها الفساد الإداري الناجم عن محاباة السياسيين وتفضيلهم القربى على الخبرة والمقدرة والكفاءة، وفيه شعب كردي يتوق لإنشاء دولته الوطنية وينسج لذلك علاقات متميزة مع تركيا، والطائفة السُنية فيه تلجأ إلى القاعدة لمواجهة ما تعتبره تهميشاً لدورها من قبل الحكومة المركزية "الشيعية" المسؤولة عن هذا الواقع، بوقفها رواتب الصحوات التي نظّفت مناطقها من القاعدة، وعدم استيعاب منتسبيها في الجيش والأجهزة الأمنية، وجوبهت مطالبهم التي تظاهروا واعتصموا لتلبيتها باجتياح مناطقهم عسكرياً، عشية الانتخابات النيابية ربما بهدف الحصول على دعم طائفي لرئيس الوزراء، الساعي لولاية ثالثة رغم فشل ولايتيه السابقتين، ودون الأخذ بالاعتبار تواصلهم الجغرافي مع سُنة سوريا، الذين يخوضون حربهم الطائفية ضد نظام مدعوم من إيران، التي تدعم نظام المحاصصة العراقي لتوفيره سيطرة مذهب بعينه على السلطة هناك، وإذا كان واضحاً حتى اليوم عجز الجيش العراقي عن دحر القبائل المتحالفة رغم أنفها مع داعش، فإن شبح التقسيم يطل يرأسه على كامل جغرافيا بلاد ما بين النهرين.
في منطقة الشرق الأوسط العديد من الجيوش غير النظامية، الحوثيون في اليمن، حزب الله في لبنان، القاعدة ومتفرعاتها من داعش الى جبهة النصرة، الجيش الحر في سوريا، وربما في مصر غداً، عديد الميليشيات في ليبيا، والأوضاع ليست مستقرة في مصر ومعظم دول الخليج، والسعودية تسعى لترتيب بيت الحكم وصراع خفي يكتنف الأمر، بينما ينتظر القلق الأردني حل القضية الفلسطينية التي يبدو حلها بعيد المنال، ولبنان يخوض حرباً ناعمة بين سياسييه، إيران تتدخل في شؤون المنطقة وكذلك تركيا وروسيا أيضاً، فيما تعيش إسرائيل أزهى أوقاتها، جنيف الثالث لن ينعقد، والإدارة الأميركية غائبة عن حقيقة ترابط كل قضايا المنطقة وتتعامل معها كتاجر التجزئة، ورؤية مستقبل المنطقة ضبابية يكتنفها الغموض، وتلعب بها المفاجآت والحروب الطائفية تبعث بشررها في كل الاتجاهات، وما زال البعض يسأل هل يواصل أبناؤنا قراءة نفس أطلس الخرائط الذي درسناه، والجواب أن على الرسامين وأصحاب المطابع تجهيز أنفسهم لأطلس الخرائط الجديد.
نظام إقليمي جديد
[post-views]
نشر في: 10 مايو, 2014: 09:01 م