TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معتدلو السنة والشيعة

معتدلو السنة والشيعة

نشر في: 10 مايو, 2014: 09:01 م

استطاعت ازمة الانبار، تحييد كل دعوات الاعتدال، ووضعتنا امام صورة في المرآة هي اسوأ الصور على الاطلاق. متشددون يحملون السلاح ويتخندقون في مدينة. وجيش تحركه قيادة سياسية لا تؤمن بالسياسة، وتراهن على الغلبة فقط.
انها لحظة اكثر حرارة من كل انهار الدم المسفوح. عجزنا خلالها عن كل شيء، ولم ننجح الا في وضع المتشددين من الجانبين، على منصة صنع القرارات. وأسوأ ما فيها شعور شريحة واسعة بأن المتشددين سيظلون اصحاب الكلمة العليا خلال السنوات المقبلة.
اجتماعيا، يشعر الكثير من الشيعة بأن متشددي السنة لهم القول الفصل، وأنهم سيواصلون دعم العنف، ولن يتصالحوا مع حكومة يرأسها الشيعة. وفي نفس الوقت، لم ينجح معتدلو السنة وهم كثيرون، في تبديد هذه الصورة بما يكفي، رغم انهم بذلوا جهدا كبيرا لابداء المرونة والانخراط في المشروع السياسي، وقدموا تضحيات مؤلمة في المواجهة مع التنظيمات المسلحة التي لا تؤمن بالسياسة.
وعلى الطرف الاخر ايضا، يشعر كثير من السنة، بأن الشيعة مجرد مشروع ايراني، تدعمه اميركا. وأن الموت المتبادل ترجمة واقعية لهذه المعادلة. وأيضا لم ينجح معتدلو الشيعة في صناعة موقف قوي مؤثر يبدد هذا التصور، رغم انهم حاولوا كثيرا وغامروا احيانا حتى بتأييد جمهورهم، وأثاروا غضب رئيس الحكومة الذي ينتمي لطائفتهم، ومن وراءه من الداعمين.
وستكون نتائج الانتخابات وما يليها من تفاوض لتشكيل الحكومة المقبلة، فرصة لقاء مهم بين "معتدلين" من الطرفين، قدموا تضحية لافتة، نتيجة انحيازهم لخيار الحوار. بل ان ما يحصل في الانبار حاليا، من مأساة مؤلمة، يمكن ان يشكل دافعا ايجابيا للطرفين، كي يعيدوا الاعتبار بشكل اوضح، لاهمية مواقفهم المرنة في منع حصول مأساة مشابهة، لان الطريق نحو هذه الكوارث سيبقى مفتوحا بسلاسة، امام شتى انواع المغامرات، من طرف المسلحين وقيادة الحكومة، اذا لم يحصل تغيير عميق في نهج السلطة.
النقطة التي باتت في صالح المعتدلين من الطرفين، هي انتهاء خشيتهم من تأثير المواقف الواضحة والتنازلات المتعقلة، على شعبيتهم عند الناخبين. وكثيرا ما كان يعتذر هذا السياسي او ذاك، بأنه لا يتمكن من "الذهاب اكثر" ضمن مواقف الاعتدال، لأن جمهور الناخبين "الانفعالي والذي يصعب افهامه بالضرورات" قد يغضب ويحول اصواته الى الخصوم. اما الان فان الاقلام رفعت، وحصل كل فريق على نصيبه.. ويفترض انه لن تبقى اعذار امام اي تخوف من هذا القبيل.
لكننا سرعان ما سنواجه عقبة جديدة، هي "ضغوط الخارج" التي تؤثر على تماسك القوائم وتلاحم الكتل. و"الخارج" هذا، لن يكون سعيدا جدا اذا لاحظ وئاما واعتدالا "ازيد من اللازم" بين الاقوام والطوائف، اذ ان التأثير والنفوذ يمر عبر الانقسامات وأجواء الريبة. وحين يقتنع اهل الحل والعقد بإبرام التسويات، فان "جبهة الداخل" المتماسكة، ستستعصي على "نفوذ الخارج".
ولذلك فإن من الطبيعي ان يكون جزء مهم من التفاوض، مع "الخارج" هذا. طالما كنا عالقين في لحظة ضعف استثنائية. وهو امر سيكون صعبا، لكنه ايضا فرصة جديدة لابلاغ الخارج بأننا لسنا "جمهورية موز" يمكن احتجازها في وعاء الدم الى الابد. بل ان الوقت حان ليتكيف الجيران والشركاء، مع لحظة يتصالح فيها العراقيون مع انفسهم.
مأزق الانبار عكس عجزا سياسيا لدى فريق الاعتدال، لكننا نسمع منهم ان المرحلة المقبلة ستشهد فعلا سياسيا مسؤولا وجريئا، في الداخل وفي الخارج. وستكون امامنا شهور صعبة، تختبر هذه الرغبة وتتحداها بأشرس الاساليب، وستكشف لنا مدى ايمان المعتدلين هؤلاء، بأنهم اقوى من رهانات الموت والتغلب الفارغ. بل ستكشف لنا الى اي درجة، امتلك العراقيون مهارة الانخراط في الامم المتمدنة، التي تكافح لتخفيف سوء المقادير وقسوتها، بكل ما في هذا التعبير من قسوة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. انا وهابية

    لا أدري سيد سرمد انا احترمك وارفع لك القبعة احتراما لحياديتك لك تقديري ويا ليت العراق العظيم يرزقه بمثل هذه العقلية النيرة دمت بخير وحفظك المولى

  2. مالك

    السلام عليكم استاذ سرمد, انا معجب بما تكتب, وادعوك لاجراء لقاء مع السيد الحسني في كربلاء و سترئ و تسمع مالم تسمعه في حياتك و الله. مع فائق الاحترام لك و للمدی

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram