TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سجل المذنبين

سجل المذنبين

نشر في: 11 مايو, 2014: 09:01 م

معظم العراقيين يعرفون "سجل المذنبين" ولكل واحد منهم قصة مع هذا السجل العتيد في سنوات أداء الخدمة العسكرية ، والسجل يكون عادة بحوزة رأس عرفاء الوحدة ، يضم أسماء الجنود والمراتب مرتكبي الذنوب ، وتتمثل بالغياب ، والتأخر عن الحضور الى "ساحة العرضات " ، وترك واجب الحراسة الليلية والذهاب الى اقرب مكان للنوم ، فضلا عن المشاجرات ، ورفض تنفيذ أوامر عريف الفصيل .
ولتقديم المذنبين أمام امر الوحدة ليصدر قراراته بحقهم، سياقات ثابتة معتمدة في كل الوحدات العسكرية ، تبدأ بجمع المخالفين ، ثم السير نحو المقر ، وقبل الدخول يخلع المذنبون أغطية الرأس والنطاق اي الحزام ، وبسماع مفردة" احترم " يقف المذنب بحالة استعداد أمام الآمر وبصوت مرتفع يذكر اسمه وصنفه ، وبدوره يعلن النائب ضابط حامل سجل المذنبين نوع المخالفة ، وعادة ما تكون العقوبة "زيان صفر" والسجن عدة أيام ، وبعد اصدار العقوبات على الجميع يتوجه "الرهط "الى سجن الوحدة ، وفي اليوم التالي يكلفون بتنظيف المرافق الصحية في المعسكر لحين انتهاء أيام السجن ثم العودة الى التدريب وأداء الواجبات .
"سجل المذنبين" يعد واحدا من الإجراءات الانضباطية للحفاظ على النظام في كل جيوش العالم في حالات السلم، وفي الحروب تتضاعف العقوبات وقد تصل الى الإعدام رميا بالرصاص ، بتهمة الخيانة العظمى والتمرد ، وتهديد الأمن القومي ، وبعد الغاء نظام الخدمة الإلزامية في العراق ، وحل الجيش السابق ، ما عاد "سجل المذنبين" يثير الرعب لدى الجنود والمراتب ، واقتصرت العقوبات على قطع الراتب ، واسدل الستار نهائيا على عقوبة" زيان الصفر" وأصبحت جزء من التراث الشعبي .
انتهاء عمر الدورة التشريعية وقرب توديع البرلمان الحالي ، وولادة اخر ، عوامل حفزت ذاكرة بعض العراقيين لاستعادة "سجل المذنبين " وتفعيل دوره خارج المؤسسة العسكرية ، بمحاسبة المسؤولين السابقين ، وحتى السياسيين ، لوقوفهم وراء إعادة العراق خلال السنوات الماضية الى العصور الحجرية ، ومجلس النواب بوصفه جهة رقابية وتشريعية ، فشل في اداء واجباته ، ومعظم اعضائه ، كانوا خاضعين لرؤساء كتلهم فحملوا رسالة الدفاع عن الحكومة ، وحافظوا على تمثيل شعبهم بأساليبهم الخاصة ، ومنهم من سيجدد ولايته ، ليعرقل عملية استجواب المتورطين بنهب المال واستغلال المنصب لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية ، البرلمان الجديد لن يختلف عن سابقه ، ومن يعتقد بان "سجل المذنبين " سيسهم في بناء دولة القانون والمؤسسات ،يحتاج الى حركة إصلاح سياسية ، وقضائية ، ومن المستبعد في الظروف الراهنة الفصل بين السلطات في العراق ، لان العملية السياسية اتخذت منعطفات متعددة ، واصبح المذنب صاحب قرار ، يمتلك صلاحية معاقبة الأبرياء بتهمة رفع أصواتهم المطالبة بحقوقهم .
اعتماد "سجل المذنبين" ربما يكون ورقة ضغط شعبية لمعاقبة الأفراد والجهات والمؤسسات لفشلها طيلة السنوات الماضية في بناء الدولة ، والانشغال في صراعات وخلافات سياسية فتحولت البلاد الى ساحة زورخانة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram