أعترف بدءاً بأنني عندما قرأت رواية أوسكار وايلد (1854 – 1900) مترجمة إلى العربية، وأنا في صبا قراءاتي، لم أكتشف البعد المثلي (الشاذ حسب الثقافة العربية) لأنني قرأتها بتجرد القارئ الباحث عن المتعة والمعرفة، أو عن نفسه تحديداً، لأنه قارئ يتشكل، وكل قارئ هو في طور التشكل، لكن ما أسرني، أكثر من سواه هو ثيمة الرواية، وأحسبها، عندما قرأتها شاباً، هي العلاقة بين الشخصية والصورة (صورة دوريان غراي) وكيف ينهار الفن بمرور الزمن بانهيار الجمال الآخاذ للشخصية الحقيقية، صاحبة الصورة (البورتريه في كامل قامتها).. ولم أدرك حينها الرسالة المتضمنة في الرواية، وقتذاك، بشأن العلاقة الغرامية بين الفنان التشكيلي بازيل هولوورد بالشاب الوسيم جداً دوريان غراي في حفلة لعلية القوم بأحد قصور لندن الأرستقراطية فيسقط الرسام في غرام غراي ذي الشخصية الساحرة النقية, ببجمالها الأخاذ.
الحديث عن هذه الرواية ينفتح على مقولات عدة بشأن الفن ومنها الرؤية الأخلاقية والموقف النقدي من نص روائي (أو أي من أصناف الفن) وقد سبقنا – نحن العرب – الأوربيون، بل الإنكليز إلى تطبيق سياسة التحريم والتجريم لتصدر المحكمة البريطانية قرارها بحكم المؤلف المتهم أوسكار وايلد بالسجن سنتين مع الأشغال الشاقة.
لم يزل الكثير من النقاد يصنف الرواية على أنها عمل فني يدخل ضمن مدرسة الفن للفن لأن صاحبها أراد أن يقول: إنني كتبت رواية جميلة عابرة للمواقف الأخلاقية والآيديولوجيات السياسية وسائر التصنيفات الأدبية، والحقيقة، بعد أن قرأت الرواية لاحقاً، أن رواية وايلد لا تدخل في باب الفن للفن، بل تدخل في باب الفن، حسب.
إن جرأة الرواية، في عصرها (نهاية القرن التاسع عشر- توفي أوسكار وايلد عام 1900) عبر طرحها المثلية الجنسية تكفي أن تجعلها عملاً أدبياً ذا موقف ثوري.
عدا أن الجمالي، في حد ذاته، موقف ثوري، فإن رسالة الرواية هذه ثورية على وفق مضمونها العاطفي في مرحلة تجرم الأفكار الصادمة، الجديدة، الجنسية، على وفق أعراف وقوانين معتمدة أو سائدة، أي لو أن أوسكار وايلد كتب روايته هذه في زماننا الحالي لما أحدثت ما أحدثته من ضجة فضائحية أودت بكاتبها إلى المحكمة ثم إلى السجن ولربما مرت بهدوء نقدي أكبر بكثير من ذاك الذي واجهته كعاصفة عندما نشرت في وقتها. وبالمناسبة كتب وايلد مايشبه اليوميات من سجنه اعتبره النقاد من أجمل ما كتب من يوميات السجون بعنوان (من الأعماق) كما نقلت الأخبار وهو عمل لم أقرأه للأسف وسأبحث عنه.
ولد أوسكار وايلد، وهو من شلة العباقرة الإيرلنديين، في مدينة دبلن، وللفتى عادات وطقوس غريبة وذوق مستغرب في حياته اليومية، وفي ديكور غرفته وصورته الشخصية بشعره الطويل وزيه تدل على غرابة أطواره.
يقول المؤرخون إنه "سقط" في "الشذوذ الجنسي" ويقول آخرون إنه "اختار" حياته الخاصة وطريقته في اللذة، وكلها أمور، بينما صارت هذه القضية لا تحتاج إلى نقاش في العالم المعاصر لأنها تدخل في عداد الحياة الشخصية للإنسان.. وهكذا دفع أوسكار وايلد ثمن تعصب زمنه الذي رأى فيه كاتباً بلا أخلاق.
مع أن "صورة دوريان غراي" هي روايته الوحيدة إلا أن وايلد كتب بعض القصص القصيرة وعدداً من المسرحيات التي لم تلق ما يستحق من الشهرة، أو أنها لم تترجم عربياً، أو إنني لم أقرأها.
من "مقولات" وايلد التي أحبها: "نعمتان في الحياة: حب الفن وفن الحب"!
الفيلم عن الرواية أنتج أكثر من مرة وآخرها الذي أنتج عام 2009 كان بتوقيع المخرج أوليفر باركر وسيناريو توبي فنلاي(وهو أول سيناريو له) ومثل دور غراي الممثل بن باميس وكولين فيرث بدور هنري ووتن.
وايلد.. أخلاقيات الكتابة
[post-views]
نشر في: 12 مايو, 2014: 09:01 م