لا تبشر بالخير التصريحات المتبادلة بين رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ونائبه السابق المتمرد رياك مشار، وهما يوقعان اتفاقاً على وقف الأعمال العدائية بين قبيلتيهما في غضون 24 ساعة، لإقرار سلام شامل يطوي صفحة الحرب في أحدث دولة في العالم، وكان مثيراً للانتباه أن الرجلين تصافحا بفتور ولم تظهر ملامح الارتياح على وجهيهما، وظلا متجهمين طيلة فترة التوقيع على الاتفاق الذي يأمل الوسطاء أن يفضي لمصالحة تجنب جنوب السودان العودة إلى الحرب، وتسمح بترميم النسيج الاجتماعي الممزق، بعد حرب إثنية خلفت مرارات وضغائن بين قبيلتي الدينكا التي ينتمي إليها سلفاكير والنوير قبيلة مشار.
يكمن الشيطان في التفاصيل، وهي كثيرة ومتشعبة وأبرزها تشكيل حكومة انتقالية، إذ يطالب المتمردون بإبعاد سلفاكير، وبينما يرى الكثير من القيادات أن الرئيس ونائبه فقدا الأهلية الأخلاقية للمشاركة في السلطة، لارتكاب قواتهما مجازر بحق الشعب فان مشار واصل نفيه حصول أي محاولة انقلاب على الحكم ورغم زعمه سعادته بتوقيع الاتفاق والتزامه بايجاد حل سياسي للازمة فانه قال إنه لم يكن يعلم أنه جاء للتفاوض ولم يأت بأجندة واضحة لكنه قبل التحدي والتوقيع على الاتفاق، في حين صرح خصمه أنه قدم الكثير من التنازلات من أجل السلام وأنه لم يأتِ إلى أثيوبيا للدفاع عن موقفه كما فعل مشار، ولم يتوانى عن الاعراب عن خشيته أن ينتهك الطرف الآخر الاتفاق، وكلها تعبيرات تؤكد فقدان الثقة بين الرجلين.
يكتشف الناظر الى الاتفاق مثاليته ولكن بعيداً عن موقعيه فهو ينص على نشر قوات دولية للتحقق من وقف الأعمال العدائية، وإفساح المجال لإيصال مساعدات الإنسانية للمتضررين، والتعاون من دون شروط مع الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية، وبعد ذلك تشكيل حكومة توافقية ووضع رؤية مشتركة لتداول السلطة وتقاسم الثروة، وتشكيل مفوضية لوضع الدستور، ووضع معايير لمفوضية الانتخابات وقانون للأحزاب لتفادي أي مواجهة عسكرية. كما أكد الاتفاق ضرورة فتح ممرات آمنة لعبور المساعدات الإنسانية للمناطق الأكثر تضرراً عبر 4 دول هي السودان وإثيوبيا وكينيا وأوغندا.
كان الجفاء واضحاً بين الاخوة الأعداء حتى وهما يحتفلان بتوقيع اتفاق المصالحة، سلفاكير ظل صامتاً ولم يحاول حتى الابتسام ولو كانت الابتسامة صفراء، ومشار حاول الظهور بمظهر معاكس إذ ظل يوزع الابتسامات لأن الاتفاق سيعيده إلى موقعه في السلطة نائباً للرئيس، وكان واضحاً أن المصالحة لم تكن هدفا عند الطرفين لكنها تحققت في خطوتها الأولى نتيجة الضغط الأميركي على طرفي النزاع، وخصوصاً الرئيس سلفاكير الذي كان تلقى مع نائبه المتمرد رسالة من وزير الخارجية الأميركي دعاهما فيها إلى تكثيف الجهود لوقف المعارك والتجاوزات، مهددا بفرض عقوبات محددة، وفي هذا الاطار فرضت واشنطن قبل أسبوع أولى هذه العقوبات ضد جنرالين ينتمي كل منهما إلى فريق، بتهمة مسؤوليتهما عن اعمال عنف غير مقبولة ضد المدنيين.
بديهي أنه لا حل لمشكلة جنوب السودان سوى بالحوار والعمل على المصالحة الوطنية كما أكد سيوم ميسيفن الوزير الاثيوبي السابق وأن توقيع اتفاق إنهاء الحرب ليس النهاية، لكنه البداية لإحلال السلام في جنوب السودان، كما أكد راعي الاتفاق رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام وهو يقدم التهنئة للطرفين الذين "سلكا الطريق الصحيح"، وإذا كان للطرفين الاستفادة من دروس التاريخ فإن تجربة ولادة دولتهما حاضر في الأذهان، حيث لم تقم هذه الدولة نتيجة الحروب الطاحنة بين الجنوبيين والشماليين، وإنما نتيجة اتفاق سياسي مع الخرطوم على الانفصال الودي، والمطلوب اليوم "مودة" تحفظ للدولة الوليدة وحدتها وأمنها.
جنوب السودان.. الإخوة الاعداء
[post-views]
نشر في: 12 مايو, 2014: 09:01 م