يثير استدعاء صحيفة الأخبار وفضائية الجديد اللبنانيتين، للمثول أمام المحكمة الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، بتهمة تحقير المحكمة وعرقلة سير العدالة عن علم وقصد، بعد نشرهما أسماء شهود مفترضين قبل أن يدلوا بشهاداتهم أمام الادعاء والدفاع، سؤالاً حول حدود حرية الصحافة بشكل عام، ومسؤولية الدولة إن كانت المحكمة خارج حدود الوطن، نحن بالطبع مع حرية الصحافة إلى الحد الأقصى على أن تكون مسؤولة وملتزمة، وإلا فإن علينا تحمل نتائج الفوضى التي ستنجم عن انفلات الوضع كما هو حاصل في لبنان، وإذا كان الحديث في بيروت وبين أنصار المؤسستين يدور حول سيادة الدولة المُنتهكة، فإن المعروف أن تلك السيادة تنتهك يوميا عشرات المرات على أسنة أقلام صحفيين وأشباه صحفيين.
يأتي الجواب على اتهام المحكمة باستهداف الصحافة اللبنانية، لمنعها من مواكبة قراراتها خشية عثورها على كمية هائلة من الأخطاء في طريقة عمل الادعاء، من القاضي ديفيد بارغوت وهو يؤكد أنه لا ينبغي اتخاذ تهمة التحقير لإسكات وسيلة إعلام مستقلة تعمل ضمن حدود القانون، ولكنه يعتبر أنه يجب على وسائل الإعلام الامتثال للقانون، وانه يجوز إخضاع حرية التعبير لبعض القيود شريطة أن تكون محددة بنص القانون، فحرية الصحافة يجب أن تتقيد بحدود، عندما تمس قدرة المحكمة على العمل بصورة ملائمة كمحكمة جنائية، وعلى ضمان سير العدالة لمصلحة الشعب اللبناني، ولكنه في الوقت نفسه، يؤكد أن هذه الصلاحية لا تمس قدرة الصحافة على التعليق على عمل المحكمة، بما في ذلك انتقادها، ولكنها لا تسمح بعرقلة عملها وتمنعها من تنفيذ ولايتها.
لاندري ولا نستطيع الجزم إن كان المسؤولون في المؤسستين الإعلاميتين اللبنانيتين، يعرفون قواعد الإجراءات والإثبات في المحكمة الخاصة بلبنان، أو انهم قرروا التحدي على طريقة القبضايات، دون الأخذ بالاعتبار أنه يجوز للمحكمة، أن تدين بجرم التحقير كل من يعرقل عن علم وقصد سير العدالة، وخصوصاً أي شخص يكشف عن معلومات متصلة بالإجراءات، وهو يعلم أن في ذلك انتهاكاً لأمر صادر عن المحكمة، وأي شخص يهدد شاهداً محتملاً أو شاهداً يدلي بشهادته أو أدلى بها أو سيدلي بها أو يخيفه أو يؤذيه، وأي شخص يهدد شخصاً آخر أو يخيفه أو يحاول بأي شكل من الأشكال الضغط عليه لمنعه من الاستجابة لأمر صادر عن المحكمة.
ليس سراً أن الأخبار والجديد لم تنطلقا في أخبارهما عن المحكمة من "الحرية" التي تدافعان عنها اليوم، فهما ملتزمتان كلياً بحزب الله المتهم بالوقوف وراء عملية الاغتيال، وكانت واضحة رغبتهما في التشويش على عمل المحكمة، بترهيب بعض الشهود الذين آثروا خوفا على حياتهم أن تكون شهادتهم سريّة، في بلد يسيطر ذلك الحزب على شارعه بالقوة المدججة بالسلاح، وكان قادراً على ترهيب قوى سياسية معتبرة وتاريخية، تراجعت عن مواقف "مبدئية" خشية تصفيتها ومعها الطائفة التي تنتمي إليها، فكيف إذاً يكون حال الفرد الأعزل في مواجهة هذه القوة الغاشمة؟
نحن بالطبع مع حرية الصحافة ومستعدون لدفع أثمان قناعتنا، لكننا قادرون على الوقوف في وجه تلك الحرية ان استهدفت القانون والعدالة، ونحترم القاعدة القانونية القائلة ان المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، لكن الضجة المثارة في بعض أزقة بيروت وحواريها تدفع للسؤال إن كان يحق للصحافة أن تتجاوز القوانين بزعم حريتها في نقل المعلومات لمتابعيها؟، والجواب واضح وبيّن عند كل الأنظمة القانونية العالمية، ومفاده أنه لا يحق لها ذلك، ما يعني أن على المحكمة الدولية إثبات إن كانت صحيفة الأخبار أو فضائية الجديد خرقتا القانون وتستحقان العقوبة، أم أن الأمر كما تقولان يستهدف حريتهما ويسعى لتكميم الأفواه.
الصحافة بين الحرية واحترام القانون
[post-views]
نشر في: 14 مايو, 2014: 09:01 م