حين تتواتر الأخبار عن مبادرات جادة للمصالحة بين الفرق المتصارعة . لا يملك المواطن المستقل — غير المسيس — إلا الغرق في لجة الحيرة .
كلما شاهدنا صورة لرئيس الكتلة هذا يقبل ذاك ، او ذاك يحتضن هذا . او يطبطب على كتف ، او يجالس ، أو يحاور ، قلنا : اللهم اجعله خيرا ، ذلك كون الأمر لا يعدو كونه حلما عذبا ، يتبدد حالما يفتح الحالم عينيه ليرى سوء المنقلب .
يتصالح المتكالبون على المناصب والكراسي ، يا للبشرى. لعلهم تذكروا اخيرا إن قطرة الدم اغلى من جردل ماء ، وأثمن من برميل نفط . وأن صوت العقل اعلى من صليل الرصاص ، ولغة الأبجدية أفصح من دمدمة المتفجرات .
عشر سنوات من اللعب بالنار . عشر سنوات من الكر والفر ، والهزيمة وادعاء النصر ، واستمناء لعبة العسكر والحرامية ، والكيد ورد الكيد …. سنوات أهدرت فيها دماء أبرياء ، ودمرت نفوس وممتلكات ، وبددت فيها ثروات هائلة ، عبر جهل أو محاباة او عبث صبياني غير مسؤول .
فجأة .. فجأة ، يستيقظ من يوخزه ضميره ! من زمرة الأقطاب ( ويدركون ) أن ليس من المصلحة العامة ( كذا ) الاستمرار في لعبة العسكر والحرامية ، وإن الوقت قد أزف للتصالح ، وأن الأوان قد حان لردم الهوة العميقة التي تفصل بين المتصارعين ، وإن الكيكة الدسمة المحلاة بالعسل وبالأطايب ، كبيرة ، كبيرة بما يكفي لإشباع من به نهم طافح. او بقايا جوع قديم …
يجتمعون ويقررون : نث الماء على مستعر الجمر ليخمد ، وإطفاء نار الفتنة بالتي هي احسن ،
واعتماد المنطق والكلمة الطيبة المسؤولة سفيرا فوق العادة لفض الاشتباك .
ولغرض التوثيق وتأكيد حسن النوايا ، يدعى المصورون لتوثيق الصورة التاريخية : مصافحة وعناق ، واحتضان ، وابتسامات ، …
والشعب ؟! اين جموع الشعب من كل ذاك الاحتراب الشرس وهذا التصافي؟
أسئلة كثيرة كبيرة تحوم كالغربان …. هل الجماهير الغفيرة رهينة لأمزجة نفر او مجموعة أنفار؟ يختلفون ، فتضطرم نيران الحرائق، ويتفقون ، فتصير النار بردا وسلاما وباقات ورد ؟
من — يا ترى — يشعل عود ثقاب يكفي لإشعال النار في أشجار الغابة؟
من يوعز بإطفاء الحرائق؟ من؟
لا تتسرعوا بجواب ، فالأجوبة — يقول الحكماء — عمياء ، الأسئلة هي المبصرة!
حلم ليلة ظلماء
[post-views]
نشر في: 14 مايو, 2014: 09:01 م