المعارضة التي تعمل في برلمانات النظم المستقرة هي ضمانة استمرار الديمقراطية والتعددية السياسية، وحين نقول اننا لا نمتلك معارضة بهذه المقاييس، فإننا نعترف بأن نظامنا السياسي لا يزال قيد الانشاء ومحاطا بالقلق على مستقبله. ومنذ الدورة الماضية نشهد دعوات واسعة لتشجيع بعض الاحزاب على البقاء في صفوف المعارضة بمعنى الامتناع عن التواجد في السلطة التنفيذية والاحتفاظ بدور رقابي فاعل. وفي الحقيقة فقد بقيت شخصيات سياسية مهمة خارج الحكومة على الاقل في العامين الماضيين، مثل حزب اياد علاوي الذي فقد وزارته الاساسية (الاتصالات) بنحو مخز، والمجلس الاعلى بعد انشقاق بدر ووزارة النقل. بل ان جزءا اساسيا من متحدون صار "معارضة" لان وزراءه انقلبوا على كتلتهم وصاروا خواتم بيد الحاج نوري المالكي. لكن ايا من هؤلاء لم يستطع استجواب وزير ولا غفير، كما ان اهم الاصلاحات التشريعية التي مررها بالتنسيق مع الحلفاء المنادين بالاصلاح (محور اربيل النجف) صودرت بالاستخدام المعروف للمحكمة الاتحادية.
كل هذا يجعلنا نعيد النظر بمقولة ان على بعض الاحزاب المحتجة والمعترضة ازاء نهج الحكم، البقاء في المعارضة لاصلاح النظام. ذلك ان مقومات العمل المعارض جرت مصادرتها منذ انقلب الحاج على قواعد اللعبة وراح يعيد كتابتها بمفرده نهاية ٢٠١١ وعلى وقع الاحذية الثقيلة لجنود اميركا المغادرين.
ان المطلوب من الكتل الفائزة في ٢٠١٤ ليس مجرد تشكيل حكومة ومعارضة تراقبها. بل تحتاج البلاد الى ما يشبه "المجلس التأسيسي" الجديد الذي يصحح "الانقلاب" والانحراف الذي شهدناه خلال العامين الماضيين. وذلك عبر تنفيذ حزمة الاصلاحات التشريعية والقضائية والامنية التي تجاهلها المالكي في ٢٠١٠ وعمل عكسها فيما بعد. وذلك لن يكون ممكنا بمجرد التواجد في البرلمان، بل بتنحية غير المؤمنين بالاصلاحات، وتجريدهم من عوامل القوة المستخدمة في منع الخطة الانقاذية التي تهدف للتهدئة واعادة التوازن للسلطات واعادة الاعتبار لروح اللامركزية، واستقلال المؤسسات ذات الدور الحاسم.
ان اقوى المعارضين سيجدون انفسهم اذا لم يصحح ميزان القوى، محاصرين بحزمة اجراءات امنية وقضائية كالتي طردت نوابا ومرشحين معارضين ومثابرين من اقتراع نيسان الماضي، وسط عجزنا جميعا عن فعل شيء. والفرصة الوحيدة المعقولة للانقاذ حاليا هي هي مجيء اقوى المعارضين الى السلطة، وصناعة الجو الملائم لتطبيق الاصلاحات، وتوفير مايتطلبه النظام السياسي من توازن، لفتح الطريق لاحقا امام عمل صحيح لسلطات التشريع والمراقبة، ووضع الضمانات والمعايير التي من شأنها حماية المعارضة ودورها الكبير.
وحتى ذلك الحين سنظل نتذكر كلمة قالها السيد عادل عبد المهدي في حوار اجريته معه قبل ٤ اعوام، وسألته عن المعارضة يومها فأجاب "تقاليد العمل في بلداننا لا تمنح السياسي مكانا الا في الحكومة، او السجن، او المنفى، ولن تهدأ هذه البلدان الا حين توفر ضمانات للسياسي كي يتاح له مكان رابع هو المعارضة النيابية".
ولذلك لن نحلم بمعارضة صحيحة الا بعد المواجهة الجريئة مع خلل ميزان القوى، وتنحية معارضي الاصلاح من رأس السلطة، ونقلها الى قوى تؤمن بأساسيات التصحيح، لا لدوافع مثالية، بل لان ما تبقى من العقلاء يدركون كيف نتجه نحو الكارثة اذا لم نكبح جماح عقل يضع الدبابات بديلا للتسويات المتعقلة.
المعارضين اليوم مطالبون بتنفيذ اصلاحاتهم، عبر الائتلاف النيابي الواسع الذي اصبح حقيقة، وسحب الثقة من سلطة لا عقلانية، لم تترك اي معايير للرقابة والتشريع، وحين نفشل في ذلك فإن في وسعنا البقاء لعقود، داخل برلمان مشلول، تقلقه مذكرات الاعتقال وضجيج المدافع، وتمشي فيه مواكب الانتصارات الزائفة، على شوارع مغسولة بدماء المساكين، تزينها شعارات الحمق، وأعراس "موت السياسة".
الانقاذ لن تصنعه معارضة برلمانية
[post-views]
نشر في: 14 مايو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ياسين عبد الحافظ
لايمكن تحريك زورق او سيارة بدفع احد اركانها لجالس فيها,كيف لبرلمانى ضعيف ان يخلق قوة دافعة تفوق قدرته؟ لابد من عامل مساعد لاكمال التفاعل,الامم المتحدة احسن مساعد ارجو طلب المساعدة ,ليس فى ذلك عيب اوخزى,برلمان لم يستطع ان يرسم علم او يلحن نشيدابعد 10سنوات