في أجواء العاصمة بغداد بدأنا نتشمم في الأيام القليلة الماضية رائحة غير طيبة.. لكنها ليست الرائحة المنبعثة على مدار الساعة من أكوام القمامة ومخلّفات البناء التي تتدثر بها شوارعنا ودرابيننا وساحاتنا، أو من مجاري الصرف الصحي المسدودة منذ دهر.
هذه الرائحة غير المريحة التي نخشى أن تتحول إلى نتنة في الأيام المقبلة مع اقتراب موعد الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، هي رائحة سياسية، تتدفق من أفواه رجال يمثلون كتلاً وكيانات سياسية ستكون لكل واحد منها عدد معتبر من مقاعد مجلس النواب الجديد، تترتب عليه مكانة معتبرة في هرم السلطة والتحكّم في مصير البلاد والعباد.
قبل انطلاق الحملة الانتخابية بأشهر عديدة ظللنا نسمع ونقرأ ونشاهد على مدار الساعة لهؤلاء الرجال انفسهم تصريحات مشبعة بالتوكيد على الطلاق البائن مع الطائفية السياسية وافكارها الهدامة وممارساتها المدمرة. خيّل الينا معها اننا نعيش عصر عودة الوعي بعد غيابه وحقبة ازدهار العقلانية بعد ابتذالها، لدى هؤلاء الزعماء ومساعدي الزعماء.
الآن يغير هؤلاء الرجال اتجاه قبلتهم وينحرفون بزاوية 180 درجة عما كانوا عليه قبل بضعة أشهر فقط.. مشرقهم يصبح مغرباً وشمالهم يغدو جنوباً.. انهم يرتدون ويعودون أدراجهم الى حظيرة الطائفية السياسية، فوحدة "المكوّن الشيعي"، كما وحدة "المكون السني"، لديهم تستعيد قدسيتها وأولويتها، متقدمة على الوحدة الوطنية والهوية الوطنية.
بعدما ظلت تنبذ الهوية الطائفية ليلاً نهاراً، تدافع الأفواه التي تنبعث منها الرائحة غير الطيبة الآن عن "أهمية وضرورة" تراصّ صفوف "المكونات" الطائفية و"لمّ شملها" من أجل الاستحقاق المترتب على الانتخابات البرلمانية، وبخاصة تشكيل الحكومة الجديدة. رجال "دولة القانون" يقولون بهذا من دون تردد، وكذا رجال "المواطن" ورجال "الاحرار" وفروعهم وتوابعهم من جهة، ومن جهة ثانية رجال "متحدون" ورجال "العربية" ورجال "كرامة".
الآن جميع هؤلاء ينطقون باللغة الطائفية لينذرنا ما ينطقون به باننا في طريق العودة الى المربع الأول، أو بالأحرى اننا لم نغادر ذلك المربع الجهنمي الذي تتوافق فيه الكتل والكيانات الطائفية وتتحاصص في ما بينها على حساب مصالح الوطن والمواطن... الكل مهتم الآن بتأمين مرابطه في الحظيرة الحكومية.
مع الرائحة غير الطيبة التي تتدفق من أفواه الناطقين باسم الكتل والكيانات الطائفية، تومض اشارات صارخة الى ان المحنة التي عشناها على مدى السنوات الاربع الماضية، بل على مدى أحدى عشرة سنة، باقية وجاثمة على الصدور والأرواح أربع سنوات اخرى في الاقل.
الآن وقد انتهى "المولد" الانتخابي فان الذين اقترعوا لصالح الكتل الكبيرة مصدقين بانها ستكون عند كلمتها موفية بما تعهدت به من "التغيير"، سيدركون انهم إنما صوتوا لكي يبقوا في الحظيرة العفنة ذاتها.. حظيرة الطائفية السياسية والفساد والفشل.
رائحة غير طيبة في فضاء بغداد
[post-views]
نشر في: 14 مايو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 6
رمزي الحيدر
أصبت الهدف ببراعة ياإستاذنا العزيز, الله يحفظك ويحفض قلمك لهذا الشعب المسكين الذي ضيع البوصلة.!.
ابو سجاد
ماذا كنت تتوقع ياساذ عدنان من هؤلاء غير النفس الطائفي والمصلحقة الشخصية الضيقة والمصلحة الحزبية هل كنت تتوقع ان هؤلاء كان خلافهم مع المختار من اجل مصلحة البلد لايااخي الفاضل هؤلاء جميعهم شياطين ولايرتجى منهم خيرا وجائز ياتي يوم وللاسف ان نقول عليه ان زمن
مواطن عراقي
ان احتلال العراق والمجيء بال نخبة السياسية من قبل امريكا و بالتنسيق مع دول الجوار كان مخطط له سلفا وفق رؤية تدمير و شرذمة الشعب و الوطن. فهؤلاء القائمون على مقدرات الشعب والوطن ما هم الا العوبات بيد المستعمر، ومع الاسف تنساق خلفهم نسبة عالية من الشعب بسب
علي العراقي
صدقني ياصديقي العزيزهؤلاء لا وجود لهم الابها والا مايعني برنامجهمالانتخابي ...ولكن قلي بربك الحاكميفرض الخطاب الطائفي ام المحكوم اتمنى ان اقرا لك مقالا بهذا الأن مع اعتزازي بكل ماتكتب وجدوى ما نكتب
طالب عبد
انا ارى ان المشكلة هي ان مدة تاثير الناخب على السياسيين قصيرة جدا تبداء من بداية الحملة الانتخابية وتنتهي تماما عند اقفال صناديق الاقتراع الامر الذي لاتجده مثلا في اوروبا الغربية لان مؤسسات المجتمع المدني هناك تكفل استمراية هذا تأثير كل الوقت
هرمز كوهاري
ما دام التداخل بين الدين والسياسة والدولة وفي كل تفاصيل الحياة اليومية لاكثرية العراقيين وخاصة غير المثقفين او غير المتعلمين متحكما ،ستبقى الطائفية ملازمة للحياة السياسية والطبيعية للمجتمع العراقي . في العهد الملكي حاولوا تقليل تدخل الدين ،وفي انتفاضة