TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما هو مشروع المثقفين العرب للعالم ولأنفسهم؟

ما هو مشروع المثقفين العرب للعالم ولأنفسهم؟

نشر في: 16 مايو, 2014: 09:01 م

هذا العنوان هو تتمة لعمودي "ما هو مشروع العرب الحضاريّ للعالم ولأنفسهم؟" الأسبوع الماضي. إنني مثل غيري أعتبر المثقفين العرب من بين العرب.
منذ البدء وددتُ أن أكتب تحت هذا العنوان، لكنني كنتً أخشى التعميم والإفراط والجحود وجلد الذات، أمام بعض العقول الكبيرة التي تتلمذنا على أيديها، مع أنني أرى أن المثقفين العرب جميعاً يساهمون جوهرياً في الأزمة الوجودية والحضارية في عالمنا.
كانت أول أسئلتي هي: لماذا تلقّف مثقفونا فكرة "نهاية التاريخ" بذاك الحماس؟. نهاية التاريخ، نهاية المؤلف، نهاية كل شيء؟. والجواب في ظني يقع باستجابة الفكرة "للنهايات" التي نقف عند تخومها. لم تحدث نهاية للتاريخ، مثلما نرى.
لو اعتبرنا فقط شطراً مهمّاً من الصورة التي نقدّم بها أنفسنا للآخرين، نحن المثقفين العرب. متفوّقون، حسودون، حكاؤون كبار، صحفيون وكتاب في منابر لا نؤمن بمموليها، كذّابون أحياناً، دون لياقة مراتٍ، نسيج وحدنا، فصاميون بين الممارسة والوعي.... الخ مما يعرفه القاصي والداني، فسيتكون لدينا الانطباع الأكيد أن مشروعنا طفيف للعالم ولأنفسنا.
بالطبع في الملاحظات المريرة السابقة، نتكلم عن مأزق وجوديّ فعليّ، لعلينا جميعاً في داخله، لا نقدّم حلولاً ولا نمتلكها، ولا نمتلك إلا الحق بوصفه كما يبدو لنا. نعرف أن المصاب بالمرض الخبيث عليه أن يعرف أولا طبيعة مرضه لكي يستطيع علاجه لاحقاً، وليؤخذ التعميم في كلامنا على محمل مخاطبته لشريحة واسعة مرئية في مجتمعاتنا وليس شيئاً آخر.
إذا كان مشروع المثقفين العرب، لحل المأزق الراهن، العودة للحضارات القديمة في المنطقة، السومرية والبابلية الرافدينية والفرعونية والفينيقية والأمازيغية وما إلى ذلك، فهم كالمستجير من الرمضاء بالنار: إيهام الذات والتحايل على الواقع بواقع متخيّل ضارب في القدم لا تُعرف عوائده وتقاليده ولا تُعاش قدر ما نعيش شهر رمضان وخطبة النكاح، ولا تُفهم لغته أو إلا عبر متخصصين أجانب. الماضي لا يَحلُّ عقد الحاضر، قد ينيرها.
إذا كان مشروعنا البقاء سلبيين تحت "السقف المحلي" الوطني" وحده - وهو ما نسمعه مراراً وتكراراً من مثقفين توانسة (من تونس) أعزاء حتى من بين الشيوعيين والماركسيين والعلمانيين (وهو فكر بورقيبيّ عن جدارة في جوهره)، على أساس أن ليس بمقدورنا مقارعة أي قوة في العالم، فهدا يعني أننا نفيد فقط من أشقائنا الآخرين دون مدّ يد لهم. هذا المشروع (ومثله بالضبط في لبنان وليس صدفة تشابه البلدين حول هذه النقطة) هو حب من طرف واحد، وهذا الأمر مريب مع أهمية البلدين القصوى، إذ لا يمكن أن تبقى إلى الأزل مستثمراً فوائد عائلتك فقط (لبنان أقلّ بكثير لكن هناك اتجاه قوي يضغط بهذا الاتجاه). المشروع هذا ليس ثقافياً في الجوهر، وقصير المدى بالنسبة للثقافة.
نحن الشعراء والمثقفين العرب: إن (نعم لكن) أو (لا لكن) لم تكن دوماً حجة للتوصُّل، في خطاباتنا، للحقيقة، بل كانت دوما تقريباً مُستخْدَمةً لتبرير سياق ثقافيّ أو شخصيّ ذي علل وخلل.
نحن الشعراء والمثقفين العرب: الفارق بين مصطلحي (الحق) و(الحقيقة) لدينا يؤخذ بالاعتبار: الأول مشحون بإرث دينيّ، والثاني مستلهم من الميراث الفلسفيّ. ثمة ضياع منهجيّ عربيّ بينهما. لا نحن دائماً في الحق ولا نحن في الحقيقة.
نحن الشعراء والمثقفين العرب، لا نحن وقفنا حقاً مع مبدعاتنا السيدات، النساء، إلا لفظياً، ولا نحن أعلّنا تحفظاتنا اللا واعية غالباً والقبلية تجاههنّ. مرارتهنّ منا قاتلة وغير مصرَّح بها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. قارئه

    تحية للشاعر والمثقف العربي شاكر لعيبي ، الذي نراه حائرا إزاء هذا الانتماءالمفضي إلى دائرة الريبة وبحسب علامة التعجِّب التي مهر بها عموده، التي وفقا لرأينا المتواضع إنّها تضع حدّا حاسما حين تحدث أحدِّ المبتلين عن اشكالية العقلية الازدواجية العربية حيال ا

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram